مقالات وآراء

معتصم الكيلاني يكتب: العراق في مجلس حقوق الإنسان.. تراجيديا التناقضات

في مشهد لافت للمفارقات، يُقبل العراق اليوم في عضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بينما تستمر مؤسساته الأمنية والقضائية في ارتكاب ممارسات تُخالف أبسط معايير حقوق الإنسان.

كيف يمكن لنا أن نصغي إلى خطابات التغيير والشفافية في بلدٍ يختفي فيه المواطن وراء ستار القمع؟

الواقع المرّ خلف القناع

منذ سنوات، تتواتر الشهادات والتقارير الحقوقية الدولية عن انتشار ظواهر مظلمة في الحياة العراقية:

الاعتقالات التعسفية، الاختفاء القسري، المحاكمات السريعة التي تفتقر إلى ضمانات العدالة، الإعدامات الصورية، والعنف المنظم داخل دوائر السلطة.

وفق تقرير Freedom House لعام 2024، فإن حالات الاتهام بالإرهاب غالبًا ما ترافقها انتهاكات خطيرة لحقوق الدفاع والوصول إلى المحامي، في محاكمات تُختصر سريعاً من دون شفافية حقيقية.

وبحسب تقرير Human Rights Watch لعام 2024، فإن العراق ما زال يواجه تحديات كبيرة في تحقيق إصلاحات مؤسسية وحماية الحقوق الأساسية، بالرغم من بعض التقدمات المحدودة.

كما أشارت التقارير السنوية الصادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية إلى أن آلاف التبليغات عن أشخاص مفقودين قُدمت في السنوات الأخيرة في العراق، فضلاً عن ضغوط كبيرة على حرية التعبير والحقوق المدنية.

هذه الوقائع لا تُشكّل فقط مآسي فردية، بل تُشكّل نمطًا ممنهجًا من القمع يُواجه المجتمع المدني وكأنما هو هدفٌ يجب تهميشه.

عضوية حقوق الإنسان مقابل الممارسة العملية

حين يُقبل العراق في مجلس حقوق الإنسان، يُطرح تساؤل: هل هذه العضوية رمز دولي أم مصدرٌ للشرعية المطلقة؟
العضوية لا تُغني عن مساءلة، بل تُضاعفها:

  • كيف يمكن للعراق أن يدافع عن حقوق الآخرين وهو يفتقد اللحظة الحقيقية لتحقيقها داخليًا؟
  • هل ستُجبر عضوية العراق على محاسبة أجهزته الأمنية والجهات التي ترتكب الانتهاكات؟
  • هل سيُستخدم هذا العضوية كغطاء يُسكت عليه عن الجرائم التي تُرتكب في الداخل؟

إنها فرصة أيضاً: فرصة للمنظمات الدولية والمجتمع المدني أن يُراقب بصرامة، وأن يطالب بآليات تنفيذ فعالة وليس ببلاغات بلا أثر.

الدعوة إلى المواجهة والتحول

لعل الفاعلين والعاملين في مجال الحقوق والعدالة في العراق والعالم ينتظرون اليوم ما يلي:

  1. التحقيق الفعلي والمستقل في حالات الاعتقال والاختفاء القسري داخل العراق، دون المساس بسيادة القضاء المستقل.
  2. فرض آليات رقابية دولية على السلطات العراقية كشرط مسبق لاستمرار تمثيلها في مجلس حقوق الإنسان.
  3. فتح الملفات القضائية المغلقة التي تحوي إخلالات جسيمة بحقوق الضحايا، وضمان إعادة تقييمها أمام محاكم نزيهة.
  4. التزام العراق بمعايير حقوق الإنسان دوليًا كجزء لا يتجزأ من عضويته في مجلس حقوق الإنسان، لا مجرد شعار دبلوماسي.

إن الاختبار الحقيقي لعضوية العراق في مجلس حقوق الإنسان لا يُقاس بصوره الرسمية أو كلامه في المؤتمرات، بل بكيفية استجابته لمطالب الضحايا والمجتمع المدني في الداخل. العضوية ليست مكافأة، بل مسؤولية.

ولن نتوقف نحن عن تسميتها بالحقيقة المرة التي لا تُمحى بقرار دولي، بل يُحتفل بها بالتزام فعلي، لا بالتغطية

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى