المجلس العربي يعقد ورشة عمل حول مستقبل فلسطين في ظل خطة الرئيس ترامب

انعقدت بدعوة من المجلس العربي، مساء أمس الخميس 9 أكتوبر 2025، ورشة حوارية خاصة “عن بعد”، برئاسة الدكتور المنصف المرزوقي، رئيس الجمهورية التونسية الأسبق ورئيس المجلس العربي، وبمشاركة نخبة من الشخصيات السياسية والحقوقية والأكاديمية من مختلف الدول العربية.

وحضر الورشة رئيس المجلس العربي الدكتور المنصف المرزوقي إضافة إلى الناشط الحقوقي المعتصم الكيلاني مدير التقاضي الاستراتيجي بالمجلس ود.تامر المغازي سكرتير عام حزب غد الثورة وعضو الشبكة العربية لمكافحة الافلات من العقاب في المجلس العربي، والقيادي السياسي د.أسامة رشدي.
والمتحدث الرسمي باسم تحالف الفلسطينيين في الخارج د. زياد العالول.

وجاءت الورشة في لحظة فارقة من تاريخ القضية الفلسطينية، بعد عامين من حرب الإبادة التي تعرض لها شعبنا في غزة، والتي انتهت بإعلان اتفاق شرم الشيخ لوقف الحرب وتبادل الأسرى، في سياق طرح خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتسوية الوضع في غزة والمنطقة.

أولًا: الانطباعات العامة للمشاركين
عبّر المشاركون في مستهل النقاشات عن الفرح بانتهاء معاناة أهل غزة، والأمل في أن يكون الاتفاق بداية لنهاية الكابوس الإنساني الطويل، مع الألم العميق لما خلّفته الحرب من مئات آلاف الضحايا من الأطفال والنساء بين شهيد وجريح ومفقود، ودمار شبه شامل للبنية التحتية.
ورغم مشاعر الارتياح المشوبة بالرجاء، ساد شعور بالحذر والريبة من “الفخاخ السياسية” الكامنة في خطة ترامب، التي قد تُعيد إنتاج نظام الوصاية والانتداب الدولي على غزة، وتحرم الشعب الفلسطيني من ممارسة سيادته الكاملة وحقه في تقرير مصيره.

ثانيًا: التساؤلات الجوهرية
طرح عدد من المشاركين أسئلة محورية لخّصت روح النقاش:
• أين نقف اليوم مما جرى منذ 7 أكتوبر 2023؟
• ماذا نريد كعرب من المرحلة المقبلة؟
• وكيف يمكن تحقيق ما نريد في ظل اختلال موازين القوى؟
وتم التأكيد على أن الترتيبات الحالية مؤقتة، هدفها معالجة آثار العدوان والاحتلال، وليست حلًّا دائمًا أو بديلًا عن مشروع التحرير الوطني الشامل.
ثالثًا: المداولات والتحليلات
1. الجانب الإيجابي الذي لاحظه بعض المشاركين تمثّل في تعهد الرئيس ترامب بعدم السماح بضمّ الضفة الغربية، وهي خطوة كانت مدرجة في أجندة اليمين الإسرائيلي المتطرف.
كما أُشير إلى وجود ضمانات من وسطاء رئيسيين (تركيا، مصر، وقطر)، مما قد يفتح أفقًا لوقف العدوان على المدى المتوسط.
2. في المقابل، أبدى آخرون خشيتهم من أن تكون هذه “الضمانات” شكلية، وأن يعمد نتنياهو إلى استئناف الحرب بمجرد استلام الأسرى الإسرائيليين، خصوصًا في ظلّ ضغوط داخلية من ائتلافه المتطرف.
3. لاحظ المشاركون أن الشعب الفلسطيني قد خسر الكثير إنسانيًا وعمرانيًا، لكنه كسب تضامنًا عالميًا واسعًا غير مسبوق، أعاد الاعتبار للقضية الفلسطينية في الرأي العام الدولي.
4. أُكد بالإجماع على أن إسرائيل هي أكثر الدول انتهاكًا للقرارات الدولية، غير أن ذلك لا يجب أن يثني الفلسطينيين والعرب عن التمسك بالقانون الدولي كإطار ناظم للنضال السياسي والقانوني.
5. دعا المشاركون إلى الاستمرار في تحريك كل الفعاليات القانونية والإعلامية والحقوقية الدولية، ومواصلة ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين أمام المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، وعدم السماح بالإفلات من العقاب.
6. شدّد كثيرون على ضرورة أن يُمنح للأمم المتحدة دور فاعل في مراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وضمان استدامته، وعلى أهمية تجديد الدعوات للاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية في المحافل الدولية.
7. أشار عدد من المتحدثين إلى وجود فرصة تاريخية لطرح رؤية مشروع “المجلس العربي” كمبادرة فكرية وسياسية جامعة تدعم الحقوق الفلسطينية والعربية.

رابعًا: الملاحظات القانونية والسياسية
• أشار بعض المتدخلين إلى أن خطة ترامب تسعى عمليًا إلى حصر الدولة الفلسطينية داخل قطاع غزة، وهو ما كان قد عُرض في ولايته الأولى، مما يمثّل إعادة إنتاج لفكرة “السلام الاقتصادي” دون سيادة.
• تساءل المشاركون حول من يملك صلاحية التوقيع على الاتفاق، مشيرين إلى أن معاهدة فيينا للمعاهدات (1969) لا تجيز لأحزاب أو حركات مسلحة تمثيل الدول أو التوقيع باسمها.
ورأى البعض أن السلطة الفلسطينية أو منظمة التحرير كانتا المخولتين قانونًا بذلك، لكن غيابهما او تغيبهما الفعلي أضعف الموقف التفاوضي الفلسطيني.
• نُقل عن حركة حماس أنها قبلت بالتفاوض فقط حول البنود التسعة الأولى من الخطة، فيما تتطلب البنود المتبقية توافقًا وطنيًا فلسطينيًا شاملًا.
• أكّد المتحدثون أن حق تقرير المصير قاعدة آمرة في القانون الدولي لا يجوز الالتفاف عليها، وأن أي اتفاق يخالفها باطل من حيث المبدأ.
• الخطة، بحسب التحليل الجماعي، تفتقر إلى آلية واضحة لحل النزاعات، ولا تحدد جهة تحكيم أو إشراف محايدة، فيما يثير تشكيل مجلس وصاية برئاسة ترامب وتوني بلير دون صلاحيات معلنة مخاطر جسيمة على الحقوق الفلسطينية.
خامسًا: رؤية المشاركين للمستقبل
1. استمرار الضغط الدولي على الولايات المتحدة وإسرائيل لمنع العودة إلى الحرب والإبادة.
2. إرسال وفود مدنية وسياسية عربية إلى غزة لتفقد الأوضاع الإنسانية ودعم جهود الإغاثة وإعادة الإعمار.
3. ديمومة الحراك الشعبي والسياسي والحقوقي عربيًا ودوليًا، دفاعًا عن العدالة وحقوق الإنسان.
4. توحيد الصف الفلسطيني الداخلي واستعادة مؤسسات الشرعية الوطنية لضمان تمثيل حقيقي وفاعل.
5. الحفاظ على السردية التاريخية الفلسطينية منذ عام 1948 ومواجهة محاولات طمسها أو إعادة تعريف الشعب الفلسطيني كـ“جماعة سكانية” بلا حقوق.
6. رفض مبدأ “السلام بالإكراه” الذي يفرض الأمر الواقع على حساب العدالة الدولية، والتأكيد أن أي سلام لا يقوم على إنهاء الاحتلال ورفع الحصار هو سلام زائف لا يدوم.
7. تحويل التضامن الدولي الراهن إلى فعل مؤسسي دائم عبر الشبكات المدنية والمنظمات الحقوقية والإعلامية المستقلة.
سادسًا: الخلاصة العامة
اتفق المشاركون على أن الصمود الفلسطيني هو بحد ذاته انتصار، وأن دماء الشهداء وآلام المدنيين لن تذهب هدرًا ما دام هناك وعي واستمرار للنضال في كل الساحات.
وأكد الجميع أن الحرية والعدالة والسلام العادل لن تتحقق إلا بإنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من حقه الكامل في تقرير مصيره على أرضه التاريخية.
كما شدّد المشاركون على أن المجلس العربي سيواصل دوره في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية، وتوثيق الجرائم، ودعم المسارات القانونية الدولية، وتفعيل المبادرات الفكرية والسياسية التي تحفظ وحدة الموقف العربي والضمير الإنساني العالمي.


