ملفات وتقارير

الصادق المهدي..سيرة نابضة ومسيرة نضالية عطلها فيروس كورونا

هنا أقف عند المحطة الراهنة في حياتي حيث أصبت بداء كورونا منذ 27 أكتوبر 2020م، فاجعة مؤلمة وضعتني في ثياب أيوب (إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين) . من ظن أنه لا يخطئ فقد أمن مكر الله. وأنا منذ دهر أردد في صلاتي: اللهم إنك تتودد إلي بنعمك وأتبغض إليك بالمعاصي، ولكن الثقة بك حملتني على الجراءة عليك فعد بفضلك وإحسانك علي إنك أنت التواب الرحيم. تلك كانت كلمات السياسي السوداني الصادق المهدي قبل وفاته. عام 2020.

سيرة ومسيرة

عمل الصادق المهدي موظفا بوزارة المالية في 1957م. في نوفمبر 1958 استقال عن الوظيفة لأن انقلاب 17 نوفمبر كان بداية لعهد يرفضه. ثم عمل بعد ذلك مديرا للقسم الزراعي بدائرة المهدي، وعضوا بمجلس الإدارة كان رئيسا لاتحاد منتجي القطن بالسودان.

انخرط في صفوف المعارضة وبعد ذلك دخل المعترك السياسي الذي جعل همه لخدمة قضية الديمقراطية والتنمية والتأصيل الإسلامي في السودان.

تلك كانت بداية الصادق المهدي في الدخول إلى عالم السياسة في السودان، كان بروز المهدي في ساحات العمل السياسي في معارضة نظام الرئيس الأسبق ابراهيم عبود المدخل للإمام الصادق وفي أكتوبر 1961 توفي والده الإمام الصديق الذي كان رئيسا للجبهة القومية المتحدة لمعارضة نظام عبود القهري. وقد شارك بفعالية في معارضة نظام عبود واتصل بنشاط الطلبة المعارض، كما كان من أوائل المنادين بضرورة الحل السياسي لمسألة الجنوب، حيث أصدر كتابه “مسألة جنوب السودان” في إبريل 1964م، ونادى فيه بالأفكار التي كانت أساس الإجماع الوطني لاحقا من أن مشكلة الجنوب لا يمكن أن تحل عسكريا .

حزب الأمة

انتخب المهدي رئيسا لحزب الأمة في نوفمبر 1964م، وقاد حملة لتطوير العمل السياسي والشعار الإسلامي وإصلاح الحزب في اتجاه الشورى والديمقراطية وتوسيع القاعدة، استغلها البعض لإذكاء الخلاف بينه وبين الإمام الهادي المهدي مما أدى لانشقاق في حزب الأمة وصار رئيسا للوزراء عن حزب الأمة في حكومة ائتلافية مع الحزب الوطني الاتحادي في 25 يوليو 1966م- خلفا للسيد محمد أحمد محجوب الذي كان رئيسا للوزراء عن حزب الأمة .

خاض حزب الأمة انتخابات 1968م منشقا ثم التأم مرة أخرى في 1969م، ولكنه لم يستفد من قوته الجديدة بسبب انقلاب 25 مايو 1969م بقيادة جعفر محمد النميري.

بعد وصول النميري إلى السلطة قاد حملة ضد حزب الأمة القومي اعتقل على إثرها الصادق المهدي ثم تعرض لمحاولة اغتيال. أبعد الصادق عن الكيان واعتقل في 5 يونيو 1969 في مدينة جبيت بشرق السودان ثم حول لسجن بور تسودان ثم اعتقل بمدينة شندي، ثم نفي إلى مصر ووضع تحت الإقامة الجبرية، ثم أرجع لسجن بور تسودان معتقلا حتى مايو 1973.

نفي وتحول

أطلق سراحه لعدة أشهر ثم اعتقل بعد انتفاضة شعبان سبتمبر 1973م والتي تجاوب معها الشارع وهزت النظام ولكنها لم تلق أي تجاوب عسكري كما استعجل في خطواتها بعض السياسيين، عاد الصادق بعدها نزيلا بسجن بور تسودان (من ديسمبر 1973- حتى مايو 1974م) وكتب خلال هذه الفترة: “يسألونك عن المهدية”، وفي السجن تعرض لوعكة صحية وأوصى الطبيب الدكتور أحمد عبد العزيز بسفره للخارج للعلاج، وقد كان.

دخل الصادق المهدي إلى سجون حكومة الانقلابيين، والتي اضطرت لنفيه إلى مصر عقب توسط الرئيس المصري أنور السادات، ليقضي هنالك نحو عامين، قبل أن يعود إلى بلده قائدا للمعارضة المدنية التي تمركز نشاطها بين لندن وطرابلس.

وقد حدث تحول في تفكير الصادق المهدي عقب اصطفافه في الجبهة الوطنية التي تشكلت من تحالف واسع يشمل حزب الأمة والحزب الاتحادي الديمقراطي والإخوان المسلمين، فقد بدأ التحالف الجديد بتشجيع من الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي في تبني أساليب عسكرية مناهضة لحكومة جعفر نميري، وانتهت تلك المغامرة بمحاولة الوصول إلى السلطة عبر عمل عسكري في يوليو/تموز 1976.

في أبريل/نيسان 1985 سقط نظام المشير جعفر نميري تحت وطأة ثورة شعبية، فنظم الصادق المهدي صفوف حزبه وكسب الانتخابات التي أجلسته على مقعد رئيس الوزراء في العام 1986 للمرة الثانية، لكن حكم الصادق المهدي الهش لم يصمد سوى 3 سنوات، فانقض عليه هذه المرة حلفاؤه السابقون، وعلى رأسهم صهره حسن الترابي زعيم الجبهة الإسلامية التي كانت شريكة للصادق المهدي في واحدة من حكوماته المتعددة خلال فترة حكمه القصير.

ومع وصول حكام السودان الجدد في 30 يونيو/حزيران 1989 بات رئيس الوزراء مطاردا، ثم تعددت أيام حبس الصادق المهدي حتى وجد الفرصة سانحة للهرب إلى إريتريا في يوم زواج إحدى كريماته، في عملية معقدة أطلق عليها “تهتدون” في ديسمبر/كانون الأول 1996.

شكل سقوط نظام عمر البشير في أبريل/نيسان 2019 عقب ثورة شعبية كللت بتدخل العسكر فرصة مواتية للصادق المهدي للعودة إلى المسرح السياسي من أوسع أبوابه، فتمكن ببراعة من أن يحجز مكانا بين قادة الثورة الشعبية التي سيطرت عليها قوى يسارية، إلى جانب جنرالات الجيش الذين عرفوا ببراغماتية تستوعب اتجاه الرياح.

عاد الصادق المهدي إلى الخرطوم بعد غيبة طويلة في ديسمبر/كانون الأول 2019 وكأنه قد اشتم أوان التغيير، ثم كون مع قوى أخرى “تحالف قوى الحرية والتغيير” الذي وضع لمسات العام الأول للانتقال.

وفاته

وفي 27 أكتوبر/تشرين الأول 2020 أعلن عن إصابة الصادق المهدي وعدد من أفراد أسرته بفيروس كورونا المستجد، ولم ينقل الرجل إلى أي مشفى بسبب استقرار حالته، حتى أنه كتب مقالا يعارض فيه التطبيع ويعدد مساوئه من على فراش المرض.

وبعد أيام نقل الصادق المهدي إلى المشفى العسكري في أم درمان مع استقرار حالته الطبية، وفي الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي قررت أسرته بإيعاز من الأطباء أن يكمل العلاج في دولة الإمارات، وقد دخل الرجل وهو في كامل وعيه إلى الطائرة برفقة بعض أهله، وتواصلت الأخبار يوما بعد يوم تفيد بأنه بخير وصحته تتحسن.

ويوم الثلاثاء في الحادي عشر عاما 2020 أصدر حزب الأمة بيانا يطلب فيه من الشعب أن يرفع أكف الدعاء والتضرع من أجل شفاء الصادق المهدي، إلا أن الأجل المحتوم وافى الرجل وهو في عمر ناهز 85 عاما.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى