
بعد عامين كاملين من اندلاع حرب غزة، يقف العالم اليوم أمام مشهد لم يتوقعه أحد. حربٌ سخّر فيها الاحتلال الصهيوني كل ما يملك من قوةٍ عسكريةٍ وتكنولوجيةٍ واستخباراتية، مدعومًا بأعتى القوى العالمية من أمريكا إلى أوروبا، ومع ذلك… لم يحقق هدفه الأول ولا الأخير: تحرير أسراه من يد المقاومة إلا باتفاقٍ متبادلٍ، لا بانتصارٍ ميداني، ولا بانهيارٍ في صفوف غزة.
لكي لا ننسى
لكي لا ننسى، فقد واجهت غزة حصارًا خانقًا وتجويعًا ممنهجًا، ودمارًا لم يسلم منه بيت ولا شارع ولا مسجد. ومع ذلك، لم ترفع المقاومة راية الاستسلام، ولم تُسلِّم سلاحها، ولم تُبدِ في الميدان إلا ثباتًا وصمودًا يليق بمن يحمل قضية مقدسة.
فمنذ اليوم الأول، كان الهدف الصهيوني واضحًا: كسر إرادة حماس، وإسقاطها سياسيًا وعسكريًا، وتفكيك بنيتها التنظيمية. لكن الذي كُسِر في النهاية هو غطرسة العدو، وتهاوت أمام العالم صورة “الجيش الذي لا يُقهر”.
ساحة النار وساحة التفاوض
في ساحة القتال، أظهرت المقاومة من الحنكة ما أربك العدو، فأعادت ترتيب المعركة من داخل الأنقاض. وفي ساحة التفاوض، وقفت حماس بذات الصلابة، لا تُساوم على كرامة ولا تتنازل عن ثوابت، حتى باتت كلمات قادتها تُعادل في أثرها صواريخها.
لقد أثبتت التجربة أن المقاومة لا تُهزم بالسلاح، بل تُهزم فقط إن خارت إرادتها، وهذه الإرادة ظلت متقدة كجمرةٍ تحت الرماد.
ترامب والمشهد الجديد
في زمن بدا فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لاعبًا رئيسيًا في صياغة الحلول، تعاملت المقاومة معه باحترافٍ سياسيٍ لا يقل عن حرفيتها في الميدان. أعادت الكرة إلى ملعب المحتل، ورفضت أن تُمنح “هدنةً مذلة” أو “صفقةً مجحفة”، فاختارت طريق العزة وإن طال.
غزة… رمز الانتصار الأخلاقي
قد يقول البعض إن الخراب عمَّ، وإن الجراح غارت عميقًا، لكن الحقيقة أن ما تحقق في غزة هو نصرٌ من نوعٍ آخر — نصرٌ للإرادة، للثبات، للكرامة. لم تنتصر الدبابات ولا الطائرات، بل انتصرت الروح التي لا تُقهر.
غزة اليوم ليست مدينة منكوبة فحسب، بل مدرسةٌ في الصمود، تُعلِّم العالم كيف يظل الحق حيًّا حتى لو أحاط به الموت من كل جانب.
وفى الختام
لقد خسرت “دولة الاحتلال” رهانها على الوقت، وعلى الحصار، وعلى القوة الغاشمة. أما المقاومة، فربحت ما لا يُقاس بعدد الصواريخ ولا بعدد الشهداء: ربحت احترام العالم، وإيمان الشعوب، وحقها في الوجود والكرامة.
وسيبقى التاريخ يذكر — بعد عامين من الحرب — أن غزة الصغيرة التي ظنوا أنها ستركع، نهضت من تحت الركام مرفوعة الرأس، تقول للعالم:
من يملك الإرادة… لا يُهزم أبداً.