غزة بعد الهدنة: منظمات الإغاثة تستعد لتوزيع المساعدات وسط غموض حول آليات التنفيذ والإشراف

مع بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، أعلنت منظمات الإغاثة الدولية والمحلية استعدادها لتوزيع المساعدات الإنسانية العاجلة داخل القطاع، وسط قلق من غياب الوضوح بشأن آلية التوزيع والإشراف عليها.
مخازن ممتلئة بانتظار الإذن
وقالت الأمم المتحدة إن نحو 170 ألف طن من الغذاء ومعدات الإيواء والدواء ما زالت مكدسة في المخازن خارج غزة، مؤكدة أن فرق الإغاثة جاهزة ومتحمسة للتحرك فور السماح لها.
لكن التساؤلات لا تزال مطروحة حول من الجهة المخوّلة بتوزيع المساعدات، خاصة في ظل القيود المفروضة على وكالة الأونروا من قبل دولة الاحتلال، ما يعقّد عملية التنفيذ.
خطة ترامب ذات الـ21 بندًا أساس آلية التوزيع
وتستند آلية توزيع المساعدات إلى الخطة ذات الـ21 بندًا التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كأساس لاتفاق الهدنة، والتي تنص على أن:
“المساعدات الإنسانية الكاملة ستُرسل فورًا إلى قطاع غزة، وتوزَّع عبر الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى.”
ومن المقرر أن يُعاد فتح المعابر بالكامل يوم الاثنين، مما سيسمح بدخول 400 شاحنة مساعدات يوميًا، على أن يرتفع العدد إلى 600 شاحنة خلال الأيام التالية.
الأونروا: جاهزون لثلاثة أشهر من الإمدادات
وقال فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة الأونروا، إن الوكالة تملك مخزونًا جاهزًا من الغذاء والدواء والإمدادات الأساسية لتغطية احتياجات سكان غزة لثلاثة أشهر، مضيفًا عبر منصة X:
“فرقنا داخل غزة متحفزة لتنفيذ الاتفاق، بما في ذلك تقديم الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم.”
ورغم الجهوزية، لا تزال الأونروا ممنوعة من التنسيق مع جيش الاحتلال، مما يعرقل عمليات التوزيع الواسعة، رغم استمرارها في تقديم خدمات الإيواء والرعاية الصحية داخل القطاع.
تحذيرات من فشل الجهود الإنسانية
من جانبه، حذر يان إيغلاند، الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين (NRC)، من أن الجهود لزيادة حجم المساعدات قد تفشل “إذا لم يُسمح لجميع منظمات الإغاثة بالعمل دون عوائق”.
وقال في مقابلة من أوسلو:
“لا وقت لمزيد من العقبات البيروقراطية، الناس بحاجة إلى المساعدة الآن.”
توقعات بانخفاض الأسعار وتحسن الوضع الغذائي
وفي غزة، قالت هالة صباح، منسقة مبادرة مشروع سمير للإغاثة الشعبية، إن دخول مئات الشاحنات سيؤدي إلى “انخفاض حاد في أسعار المواد الغذائية”، موضحة:
“ما اشتريناه بالأمس سيصبح ثمنه عُشر السعر غدًا، وربما أقل.”
وأضافت أن الارتفاع الكبير في الأسعار خلال عامين من الإبادة الإسرائيلية كان من أكبر العقبات أمام المتطوعين، مشيرة إلى أن المساعدات التي دخلت منذ يوليو/تموز كانت تقتصر على الطحين والأرز والمعلبات فقط، مما تسبب في سوء تغذية حاد بين السكان.
ووفق تقرير لمجلة ذا لانسيت نقلًا عن بيانات الأونروا، فإن نحو 55 ألف طفل دون السادسة يعانون من سوء تغذية حاد، بسبب القيود الإسرائيلية على الغذاء والماء والدواء.
كما أفادت وزارة الصحة في غزة بأن 460 فلسطينيًا استُشهدوا نتيجة التجويع المفروض، بينهم أكثر من 150 طفلًا.
الشتاء يهدد بمأساة جديدة
ومع اقتراب فصل الشتاء، شددت صباح على أن مواد بناء المأوى هي الأولوية القصوى، محذرة من أن بدء موسم الأمطار قد يحول الوضع الإنساني إلى كارثة.
وقالت:
“هناك مئات الآلاف بلا مأوى بعد انتقالهم من الشمال إلى الجنوب، لا توجد خيام ولا بيوت متنقلة، لا شيء على الإطلاق.”
وأضافت أن العدد الكبير من النازحين أدى إلى إفراغ المستشفيات في الشمال، مشيرة إلى أن مستشفيي الأقصى وناصر أصبحا مكتظين بالمرضى إلى الحد الأقصى.
وأوضحت أن العيادة التابعة لمشروع سمير في مخيم رفات العرير باتت تضطر لعلاج حالات حرجة كان يفترض نقلها إلى المستشفيات.
احتياجات طبية ونفسية عاجلة
وأكدت صباح أن الناس بحاجة ماسة إلى مستشفيات ميدانية وأطباء ومعدات طبية وأدوية، مشيرة إلى أن الوضع الصحي في غزة على حافة الانهيار.
من جهته، قال سام روز، مدير شؤون الأونروا في غزة، إن نصف المساعدات الموجودة خارج القطاع تخص الوكالة مباشرة، موضحًا:
“لدينا طعام يكفي الجميع لشهرين أو ثلاثة، وبطانيات لمليون شخص، ومواد إيواء لمئات الآلاف، وإذا لم يُسمح للأونروا بتوزيع المساعدات، فسيصبح تنفيذ الخطة مستحيلًا.”
مشروعات نفسية وتنموية لمساعدة الأطفال
وتستعد مبادرة مشروع سمير لتوسيع برامجها في مجال الصحة النفسية للأطفال، خاصة الذين يعانون من صدمات الحرب، عبر مشروع “تك مِد غزة” الذي يستخدم تقنيات الواقع الافتراضي لعلاج الصدمات النفسية، إضافة إلى العلاج الفيزيائي والنطق.
وقالت صباح:“نريد أن نعيد لأهل غزة شعورهم بالقدرة والسيطرة على حياتهم بعد كل ما فقدوه.”
وأضافت أن المشروع كان قد أنشأ مصنعًا صغيرًا للخياطة العام الماضي بتمويل شعبي قدره 15 ألف دولار، لكنه توقف بسبب انقطاع الكهرباء والنزوح القسري إلى الجنوب، مؤكدة أن العمل سيُستأنف حالما تسمح الظروف.