مقالات وآراء

المعتصم الكيلاني يكتب: ما مصير مذكرات التوقيف الجنائية بحق نتنياهو؟

قبل الاتفاق أو أي وقف لإطلاق النار، أصدر مكتب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية (ICC) طلبًا في 20 مايو 2024 لمذكرات توقيف ضد نتنياهو ويوآف غالانت، وتلاه قرار من الدائرة التمهيدية يوم 21 نوفمبر 2024 بإصدار المذكرات فعليًا.

كما أنّ المحكمة رفضت الطعون التي قدمتها إسرائيل على اختصاصها في القضية.

بالتالي، هذه المذكرات أصبحت “قائمة” قانونيًا — بمعنى أنها ليست مجرد طلب، بل أمر قضائي صالح. وهي تلزم الدول الأعضاء في نظام روما بالتعاون (القبض والتسليم) إذا دخل أي من المطلوبين أراضيها.

لكن التنفيذ الفعلي لهذه المذكرات يواجه عقبات سياسية وسيادية كبيرة، خصوصًا أن إسرائيل ليست دولة طرف في نظام روما، ولذلك ترفض الاعتراف بولاية المحكمة.

التأثير القانوني المحتمل لاتفاق وقف إطلاق النار على مذكرات التوقيف
عندما يُبرم اتفاق لوقف إطلاق النار بين طرفي النزاع، فإنه قد يثير مجموعة من التساؤلات القانونية حول آثار هذا الاتفاق على الأفعال القانونية القائمة، مثل مذكرات التوقيف الدولية، مثلاً:

  1. وقف القتال لا يلغِي المِسؤولية الجنائية: من المبادئ الراسخة في القانون الدولي أن وقف إطلاق النار أو اتفاقية سلمية لا تُعفي الأشخاص من المسؤولية الجنائية عن الجرائم المرتكبة قبلاً أو أثناء النزاع، فالاتفاقات الدولية (الهدنة، وقف القتال، اتفاقيات السلام) غالبًا تنص صراحة على أن “الاتفاق لا يحول دون استمرارية التحقيقات والملاحقات الجنائية للجرائم الدولية”.
    مثال تاريخي: بعد اتفاقيات السلام في يوغوسلافيا أو في رواندا، لم تُلغَ الإدانات أو التحقيقات عن جرائم الحرب أو الإبادة التي ارتُكبت، بل استمرت المحاكم الدولية (مثل المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا سابقًا، والمحكمة الجنائية لرواندا).
    إذًا، حتى إذا تم الاتفاق بين إسرائيل وحماس على وقف إطلاق النار، هذا لا يُلغِي مذكرات التوقيف الصادرة ضد نتنياهو وغالانت.
  2. عامل الوفاق السياسي والمفاوضات: غالبًا ما تشمل اتفاقات وقف إطلاق النار أو التسوية السياسية بنودًا لتخفيف الضغوط الدولية أو للمحاباة السياسية، كحصر المساءلة أو تأجيلها أو “عفو” سياسي جزئي.
    في بعض الحالات، قد يُقترح “لجنة مصالحة” أو “آليات عدالة انتقالية” بدل الملاحقة القضائية الكاملة، كجزء من التوافق السياسي.
    لكن أي بند يُقرّ بتعطيل التنفيذ أو العفو عن الجرائم الدولية يتعارض مع مبدأ عدم جواز العفو عن الجرائم الدولية الجسيمة (جرائم الحرب، الجرائم ضد الإنسانية، الإبادة) بموجب القانون الدولي، إذا لم يوافق عليه الضحايا أو محكمة دولية.
    في بعض اتفاقات السلام في بلدان ما بعد النزوع، تم استخدام العفو المشروط، لكن تلك الحالات عادة ما تكون ضمن نطاق القانون الوطني وليس انتهاكات جسيمة دولية معترف بها أمام محكمة دولية.
  3. إمكانية تأخير التنفيذ المؤقت: رغم أن مذكرات التوقيف تظل قائمة، فإن تنفيذها قد يتأثر عمليًا إذا التزم الأطراف باتفاق وقف إطلاق النار، إذ قد تقل فرص تنقّل المطلوبين عبر الدول، أو يُمنع وصولهم إلى أرض دولة طرف حيث يمكن القبض عليهم.
    مثلاً، إذا نتنياهو وغالانت ظلّوا داخل إسرائيل أو في دول غير طرف في نظام روما، فإن احتمال تطبيق الأمر منخفض عمليًا.
    كما قد تتدخل السياسة الدولية والضغوط الدبلوماسية لتعطيل التنفيذ الفوري للمذكرات حتى ما بعد الاستقرار الفعلي للنزاع.
  4. الاستمرار المحتمل للإجراءات أمام ICJ: بجانب ICC، هناك مسار آخر أمام محكمة العدل الدولية (ICJ)، مثل دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بموجب اتفاقية منع الإبادة. ذلك المسار يظل مستقلًا عن وقف إطلاق النار، ويُعنى بمسؤولية الدولة وليس بالملاحقة الجنائية للأفراد.
    حتى إذا تم توقيع اتفاق سلام، فإن القضية أمام ICJ قد تستمر إلى أن تصدر حكمًا موضوعيًا نهائيًا.

إنّ اتفاق وقف إطلاق النار — أياً كان شكله أو الجهة الراعية له — لا يُلغي ولا يحدّ من المسؤولية الجنائية الدولية للأفراد المتهمين بارتكاب جرائم جسيمة، ما لم يصدر قرار صريح من المحكمة نفسها بإنهاء الملاحقة أو تعليقها وفق المادة 16 من نظام روما الأساسي. وبالتالي، تبقى مذكرات التوقيف بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت سارية المفعول قانونًا إلى حين تنفيذها أو صدور قرار قضائي لاحق يعدّل وضعها.

لدينا هنا ٤ سيناريوهات:

  1. استمرار المساءلة القضائية الكاملة : تبقى مذكرات التوقيف سارية المفعول وتستمر الإجراءات أمام المحكمة الجنائية الدولية بغضّ النظر عن الاتفاق السياسي. ولا يمكن لأي اتفاق أن يُعفي المتهمين من المسؤولية الجنائية عن الجرائم الدولية الخطيرة مثل جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية – يُحافظ هذا السيناريو على مبدأ عدم الإفلات من العقاب ويعزز الثقة في العدالة الدولية، رغم صعوبة تنفيذ الأوامر ميدانيًا في ظل رفض إسرائيل التعاون مع المحكمة.
  2. التأجيل الإجرائي أو التعليق المؤقت: قد تُمارس ضغوط سياسية لطلب تعليق التنفيذ مؤقتًا بحجة “إتاحة الفرصة للعملية السياسية” أو “ضمان استقرار وقف إطلاق النار”. إلا أن هذا التعليق لا يُلغِي المذكرات نفسها ولا يُسقط التهم، بل يوقف التنفيذ فقط – يُحقق توازنًا مؤقتًا بين مقتضيات العدالة ومتطلبات السياسة، لكنه يثير انتقادات حقوقية خشية تحوّله إلى عفوٍ غير معلن.
  3. إدراج بند “عدالة انتقالية” ضمن اتفاق السلام : قد يتضمّن الاتفاق آلية بديلة للمساءلة (مثل لجنة مصالحة أو محكمة داخلية وطنية)، في محاولة لتخفيف حدة الملاحقات الدولية. ومع ذلك، يبقى هذا الخيار خاضعًا لرقابة المحكمة الجنائية التي لا تقبل العفو أو التسويات في الجرائم الجسيمة دون معايير عدالة حقيقية – يوفّر مخرجًا سياسيًا للأطراف، لكنه قد يتعارض مع نظام روما الأساسي ويُضعف مبدأ المساءلة الدولية.
  4. الرفض السياسي والتنفيذ المحدود: تواصل إسرائيل ودول أخرى غير أطراف في نظام روما رفضها الاعتراف بولاية المحكمة، ما يجعل تنفيذ مذكرات التوقيف صعبًا عمليًا، رغم بقائها قانونية وواجبة التنفيذ في 124 دولة طرفًا في نظام روما- هذا هو السيناريو الأكثر واقعية في المدى القريب، إذ تظل المذكرات رمزية من حيث التنفيذ لكنها تحتفظ بقيمتها القانونية والتاريخية، وتمنع المطلوبين من السفر إلى الدول الأعضاء خشية الاعتقال.
المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى