
رحلة في تخيل عالم تسوده الأخوة الإنسانية، تخيل معي للحظة… أن تستيقظ باكراً على زقزقة العصافير، لا على دويّ الانفجارات.
أن تفتح نافذتك ليتسلل نسيم الصباح المنعش إلى غرفتك، حاملاً عبق الزهور، لا رائحة الدخان والرصاص.
أن تقرأ عناوين الصحف فتجدها تزفّ أخبار الاكتشافات العلمية والانتصارات على الأمراض، لا أخبار المعارك والضحايا.
هذا ليس حلماً من وحي الخيال، بل هو ما يمكن أن يكون عليه عالمنا لو انتصرت إرادة السلام، ولو اختفت من قاموسنا كلمات مثل “طائفية” و”صراع”.
فسوف نجد اقتصاد يزدهر بالبناء، لا ينهار بالدمار في عالم بلا حروب، أين تذهب تريليونات الدولارات التي تُنفق على التسلح والصناعات الحربية؟
ستتحول هذه الثروات الهائلة إلى وقود للتقدم البشري.
ستُبنى المدارس والمستشفيات، وتُدعم الأبحاث العلمية لمكافحة السرطان و آل زهايمر ، وتُطور بنى تحتية ذكية تحافظ على البيئة.
ستُخصص الميزانيات لاستكشاف الفضاء، وتحلية مياه البحر، وابتكار مصادر طاقة نظيفة.
باختصار، سيكون الإنسان هو محور الاستثمار، وستتحول طاقة البشر من التدمير إلى الإعمار.
ونجد طفولة تزهو بالبراءة، لا تذبل تحت وطأة الحرب
كم من عبقري فقدناه تحت الأنقاض؟
كم من صحفي وطبيب، مهندس، أو فنان محتمل، حُرم من حقه في الحياة والتعلم؟
في عالمنا المثالي، ستكون المدارس ملاذاً آمناً للتعلم والإبداع، وستنمو الأجيال وهي تحلم بأن تكون أينشتاين أو ماري كوري، لا أن تحمل السلاح.
ستُملأ ساحات اللعب بالضحكات، لا بقذائف الهاون ستكون هموم الأطفال هي الفوز في مباراة كرة قدم، أو تفوق في امتحان، وليس البحث عن مأوى أو لقمة خبز.
سوف تكون ثقافة التعايش نسيج إنساني ملون بدون صراعات طائفية، كيف ستبدو مجتمعاتنا؟
ستتحول دور العبادة من معاقل للخطاب التحريضي إلى منارات للروحانيات والأخلاق، يتعايش فيها المسجد والكنيسة والمعبد بجوار بعضهما في سلام.
سيكون الاختلاف في الدين أو العرق أو الفكر مصدر إثراء للحضارة الإنسانية، وليس سبباً للاقتتال.
سنرى مهرجانات ثقافية تحتفي بتنوع التراث البشري، وتتبادل فيها الأطعمة والألحان والقصص، فنتذوق طعم الإنسانية في أبهى صورها.
سوف نجد بيئة تتنفس الصعداء فإن الحروب هي أحد أكبر ملوثات البيئة.
تخيل أنهاراً نظيفة، وغابات خضراء، وهواءً نقيّاً.
بدون الدبابات والطائرات الحربية، ستنخفض انبعاثات الكربون بشكل هائل.
بدون تدمير المنشآت الصناعية، ستختفي السحب السامة.
سيكون كوكبنا مكاناً أكثر أماناً وصحة، ليس للإنسان فحسب، بل لكل الكائنات التي تشاركنا العيش على هذه الأرض.
صحة نفسية جماعية فإن
الخوف، القلق، الكراهية، والتطرف… كلها أمراض نفسية يزرعها الصراع.
في عالم بلا حروب، ستتحرر المجتمعات من هذه الأعباء.
سيتجه علم النفس لمساعدة الأفراد على تحقيق ذواتهم، بدلاً من علاج صدمات ما بعد الحرب.
ستسود الثقة بين الناس، وتقل الجريمة، لأن الإنسان عندما يشعر بالأمان والعدالة، تتحسن فطرته ويقلّ عداؤه.
هذا العالم الهادئ الجميل المليء بالخير ليس مستحيلاً.
إنه خيار إنه قرار جماعي يمكن أن نصنعه إذا آمنّا بأن ما يجمعنا كبشر هو أقوى وأعظم بكثير مما يفرقنا.
إنه يبدأ منا، من منازلنا، ومدارسنا، ومجتمعاتنا الصغيرة.
يبدأ عندما نعلّم أطفالنا أن الاختلاف ليس عيباً، وعندما نرفض خطاب الكراهية، وعندما نمد جسور المحبة والتعاون مع كل من يشاركنا هذه الإنسانية.
لنحلم بهذا العالم، ولنجعل من حلمنا هذا دافعاً للعمل، ولو بخطوة صغيرة كل يوم، نحو غدٍ أكثر إشراقاً وسلاماً.
فطوبى للودعاء، لأنهم يرثون الأرض… بجمالها وهدوئها وخيرها.
هذا المقال ليس هروباً من الواقع المرير، بل هو بمثابة بوصلة نوجه بها أنظارنا وأفعالنا نحو الأفق الذي نستحقه.
لأن أولى خطوات بناء المستقبل هي القدرة على تخيله.