العالم العربيفلسطين

طارق الزمر يكتب : بعد عامين من العدوان: ماذا جنى أعداء غزة وخصومها؟

حين أطلق الفلسطينيون شرارة “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023، لم يكن أحد يتخيّل أن هذا الحدث سيعيد تشكيل توازنات الصراع العربي–الصهيوني، ويضع إسرائيل وحلفاءها – الإقليميين والدوليين – أمام اختبار وجودي متعدد الأبعاد: عسكريًا، وأمنيًا، وأخلاقيًا، واستراتيجيًا. بعد عامين من أشرس حرب شهدها القرن، وما رافقها من حصار وتجويع ومجازر لم يسلم منها لا الأطفال ولا المستشفيات ولا الكنائس، يتساءل كثيرون: هل انتصرت إسرائيل وحلفاؤها؟ أم أنهم حصدوا عكس ما زرعوا؟

1.⁠ ⁠إسرائيل: من صورة “الجيش الذي لا يُقهر” إلى مأزق الوجود

ما جنته إسرائيل من هذه الحرب كان، في جوهره، سلسلة متلاحقة من الخسائر والانكشافات:
• عسكريًا وأمنيًا: اهتزت صورة “الردع المطلق”، وسقطت منظومة الدفاع الإسرائيلية في أول اختبار حقيقي داخل مستوطنات غلاف غزة. تسللت وحدات المقاومة إلى عمق الأراضي المحتلة، وفرضت واقعًا نفسيًا جديدًا عنوانه: “لا أحد في أمان”.


• داخليًا: عمّقت الحرب الانقسام المجتمعي بين تيارات اليمين المتطرف والعلمانيين، وانهارت الثقة بقيادة نتنياهو وأجهزته الأمنية، في حين هاجر آلاف المستوطنين، وتراجعت مؤشرات النمو الاقتصادي، وارتفعت نسب التوتر الاجتماعي.


• أخلاقيًا: باتت صورة إسرائيل، لا سيما بعد مجازر غزة وتجويع أهلها، على طاولة الاتهام في كل المحافل الحقوقية الدولية. مصطلحات مثل “الإبادة الجماعية”، و”النازية الصهيونية” لم تعد حكراً على النشطاء العرب، بل أصبحت جزءًا من أدبيات الإعلام والجامعات الغربية.

2.⁠ ⁠أمريكا: فقدان الهيمنة الأخلاقية على النظام العالمي

كانت إدارة بايدن تراهن على حرب قصيرة تُنهي حماس، وتعزز دور “إسرائيل” كحليف ثابت في معركة واشنطن ضد الصين وروسيا. لكن النتيجة جاءت عكسية تمامًا:
• فقدان المصداقية الأخلاقية: الدعم الأميركي المفتوح للجرائم في غزة – دبلوماسيًا وعسكريًا – أخرج ملايين الشباب الأمريكيين إلى الشوارع، خاصة في الجامعات، وأعاد فتح ملف التمييز والعنصرية في السياسة الخارجية الأمريكية.


• أزمة مع الحلفاء: انقسمت أوروبا، ورفضت دول مثل إسبانيا، وإيرلندا، وبلجيكا الانخراط الكامل في سياسة الدعم المطلق لإسرائيل، بينما رفعت جنوب إفريقيا دعاوى إبادة جماعية أمام محكمة العدل الدولية.
• صعود قوى مضادة: أدى الانحياز الأمريكي الأعمى إلى تسريع تشكل محور دولي مضاد للهيمنة الغربية، يتكون من روسيا، والصين، ودول جنوب العالم، ويطالب بنظام دولي أكثر عدالة.

3.⁠ ⁠حلفاء إسرائيل الإقليميون: مأزق التطبيع والتواطؤ المكشوف

من الإمارات إلى البحرين، ومن المغرب إلى مصر، تعرّض محور “التطبيع الإقليمي” لارتباك شديد:
• انكشاف الخيانة: لم يعد الرأي العام العربي والإسلامي بحاجة إلى أدلة، فقد رأى الشعوب المتواطئة تصمت عن المجازر، وتمنع التظاهرات، وتستقبل المسؤولين الصهاينة في عز الإبادة.


• فشل استراتيجية “السلام الاقتصادي”: كل الرهانات على مشاريع “نيوم” و”قوس السلام” و”شراكات الغاز” سقطت تحت صواريخ الطوفان، وانهار وهم “موت القضية الفلسطينية”.
• تنامي الغضب الشعبي: في الأردن ومصر وتونس ولبنان، عاد الشارع ليتصدر المشهد، رغم القمع، ويردد شعارات الجهاد والتحرير، ويتهم الأنظمة بالخيانة، مما يُنذر بتحول استراتيجي في المزاج الشعبي.

4.⁠ ⁠من المكاسب إلى الأكلاف: تحول في ميزان الرواية

كان الرهان الأساسي لأعداء غزة هو ضرب الرواية الفلسطينية وتشويه المقاومة عبر مصطلحات مثل “الإرهاب” و”التهديد الوجودي”. لكن ما حصل هو العكس تمامًا:
• انتصار السردية الفلسطينية: مقاطع الفيديو الحية، وشهادات الضحايا، وأصوات الأطفال، وأقوال “أبو عبيدة” أصبحت رموزًا عالمية تتحدى آلة الإعلام الغربي.
• صعود “المقاومة الأخلاقية”: في مقابل الفظائع الصهيونية، نجحت المقاومة في الحفاظ على صورة “المقاتل الشريف”، ما أعاد النقاش العالمي حول “الحق في مقاومة الاحتلال”.
• أفول شرعية القوة: أصبح الرأي العام العالمي مقتنعًا بأن ما يحدث في فلسطين ليس “نزاعًا”، بل استعمار استيطاني دموي يرفض حتى وجود الآخر.

5.⁠ ⁠هزيمة بلا معركة؟

قد يرى البعض أن الحرب لم تُنهِ وجود إسرائيل، ولم تفرض انتصارًا ميدانيًا للمقاومة، لكن الحقيقة الأعمق أن إسرائيل وأمريكا ومعهما الأنظمة المتحالفة، خسروا في ميدان لا يُقاس بالدبابات، بل بالشرعية. شرعية البقاء، وشرعية الرواية، وشرعية الهيمنة.

لقد انتصرت غزة في “معركة الوعي”، ونجحت في إسقاط قشرة القوة عن وجه المحتل. ومن هنا، فإن كل ما جنته قوى العدوان خلال عامين من المجازر هو مزيد من العزلة الأخلاقية، والتآكل الداخلي، وفتح بوابات الأسئلة المصيرية حول مستقبل النظام الإقليمي والدولي برمته.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى