الأسير محمود العارضة.. “قائد نفق الحرية” ينتزع حريته مجدداً في صفقة تبادل تاريخية

انتزع الأسير الفلسطيني محمود العارضة، الذي قاد عملية “الهروب الكبير” من سجن جلبوع الإسرائيلي عام 2021، حريته مجدداً، الاثنين، ضمن صفقة التبادل بين حركة “حماس” وإسرائيل، في إطار اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل مرحلته الأولى الجمعة الماضية.
العارضة (50 عاماً)، أحد أبرز قادة حركة الجهاد الإسلامي، بات اليوم رمزاً لتحقق الحلم الذي سُلب منه قبل أربعة أعوام حين أعيد اعتقاله بعد عملية فرار هزّت المنظومة الأمنية الإسرائيلية.
فبوسيلة أو بأخرى، أعاد القدر صياغة نهايته كـ”أسير مرتين ومحرَّر مرتين”، في مشهدٍ وصفه فلسطينيون بأنه “استكمال لمسار كُتب بالنفق واكتمل بالتبادل”.
قصة الحرية مرتين
قاد العارضة عملية “نفق الحرية” في سبتمبر/أيلول 2021 برفقة خمسة أسرى آخرين من محافظة جنين، بينهم زكريا الزبيدي وأيهم كممجي ومحمد العارضة، عبر نفق حفروه أسفل سجن جلبوع شديد التحصين، قبل أن يُعاد اعتقالهم بعد مطاردة إسرائيلية واسعة.
ومنذ ذلك الحين، بات اسم العارضة أيقونة في الوعي الفلسطيني، ورمزاً للقدرة على كسر القيد رغم كل إجراءات العزل والمراقبة.
وتصفه أجهزة الأمن الإسرائيلية بأنه من “أخطر الأسرى وأكثرهم عناداً”، إذ حاول مرتين سابقاً الهروب من السجن، وكان يُعاقب طويلاً بالحجز الانفرادي.
من سجين إلى رمز
وُلد العارضة في بلدة عرّابة شمال جنين، واعتُقل للمرة الأولى وهو في الرابعة عشرة بتهمة إلقاء عبوات “مولوتوف” على دوريات الاحتلال.
وبعد ثلاث سنوات ونصف من السجن، خرج ليعود إلى العمل المقاوم حتى اعتُقل عام 1996 وحُكم عليه بالسجن المؤبد مدى الحياة.
استثمر سنوات سجنه في الدراسة والتأليف وحفظ القرآن، وأصدر مؤلفات فكرية منها “فقه الجهاد” و*”تأثير الشيخ الغزالي على حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين”*.
ويصفه رفاقه بأنه “مثقف ومنضبط وهادئ لكنه لا يساوم على قناعاته”.
صفقة تبادل تاريخية
جاء الإفراج عن العارضة ضمن 154 أسيراً فلسطينياً أُبعدوا خارج الضفة الغربية، في مقابل إطلاق سراح 20 أسيراً إسرائيلياً أحياء من غزة.
وتشمل الصفقة أيضاً تبادل جثامين 28 أسيراً إسرائيلياً في مراحل لاحقة.
ووفق الاتفاق الذي رعته مصر وقطر وتركيا بإشراف مباشر من الولايات المتحدة، تلتزم إسرائيل بالإفراج عن 250 أسيراً محكوماً بالمؤبد وقرابة 1700 معتقل من غزة، مقابل وقف الحرب وانسحاب تدريجي لقواتها ودخول المساعدات الإنسانية.
رمزية التوقيت
يرى محللون أن الإفراج عن محمود العارضة يحمل بعداً معنوياً وسياسياً كبيراً، إذ يتزامن مع بدء تنفيذ خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومع سعي الأطراف إلى إظهار “بوادر حسن نية” قبيل المرحلة الثانية من المفاوضات التي ستتناول مستقبل غزة وسلاح المقاومة.
فالعارضة الذي أُطلق عليه لقب “قائد عملية التحرر وانتزاع الحرية” عام 2021، يعود اليوم ليجسّد رمزية أوسع في الوعي الفلسطيني: أن الحرية يمكن أن تُنتزع بالمقاومة كما يمكن أن تُستعاد بالمفاوضة، وأن توازن القوى قد يتبدل لكنه لا يُلغي الإيمان بالتحرر.