الذهب يواصل تحطيم الأرقام القياسية متجاوزاً 4080 دولاراً للأوقية.. والمحللون يتوقعون مزيداً من الصعود

سجلت أسعار الذهب، اليوم الاثنين، مستوى تاريخياً جديداً بلغ 4084 دولاراً للأوقية في التعاملات الفورية، وسط اندفاع المستثمرين نحو الملاذات الآمنة، مع تصاعد حالة عدم اليقين الاقتصادي والسياسي عالمياً.
ووفقاً لتقرير هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، فقد شهد المعدن النفيس أكبر موجة ارتفاع منذ سبعينيات القرن الماضي، بعدما ارتفع بنحو الثلث منذ أبريل/نيسان الماضي، عقب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية أحدثت اضطرابات واسعة في التجارة الدولية.
ويرى محللون أن تأخر صدور البيانات الاقتصادية الأميركية بسبب استمرار إغلاق الحكومة في أسبوعه الثاني، فاقم المخاوف بشأن الاقتصاد العالمي، ما عزز الطلب على الذهب كملاذ تقليدي آمن.
ويُجمع خبراء المال على أن الذهب أصبح “عملة الأزمات”، إذ يحافظ على قيمته أو يزيدها في أوقات الاضطراب المالي أو الركود، فيما تشير توقعات البنوك الكبرى إلى استمرار موجة الصعود حتى العام المقبل.
توقعات متصاعدة.. حتى 10 آلاف دولار للأوقية
توقّع محللون في غولدمان ساكس أن يواصل الذهب ارتفاعه ليصل إلى 5 آلاف دولار للأوقية بحلول نهاية 2026، بينما قدّرت شركة “يارديني للأبحاث” أن يبلغ الذهب 10 آلاف دولار للأوقية بحلول 2028–2029، مع استمرار الطلب العالمي الاستثنائي.
الرابحون من سباق الذهب
1. الصين: بناء نظام مالي بديل
تُعد الصين من أبرز المستفيدين من الارتفاع القياسي، إذ يدعم الذهب هدفها في بناء نظام مالي عالمي أقل اعتماداً على الدولار.
وتواصل بكين تكديس احتياطياتها من المعدن الأصفر، وتروّج عبر بورصة شنغهاي للذهب لتكون مركزاً عالمياً لتسعير وتخزين الذهب السيادي، في خطوة تُضعف هيمنة النظام المالي الأميركي، بحسب وكالة بلومبيرغ.
2. الهند: ثروة اجتماعية غير مسبوقة
ارتفعت حيازات الأسر الهندية إلى نحو 3.8 تريليونات دولار، مع تجاوز سعر الذهب 4 آلاف دولار للأوقية، وهو ما اعتبره خبراء “تأثير الثروة الإيجابي” الذي يدعم الاقتصاد المحلي ويعزز الاستقرار المالي للأسر.
3. البنوك المركزية العالمية
تضاعف الطلب الرسمي على الذهب منذ 2022، إذ تجاوزت مشتريات البنوك المركزية 1000 طن سنوياً، في محاولة لتنويع الاحتياطيات بعيداً عن الدولار بعد تجميد نصف أصول روسيا الأجنبية خلال العقوبات الغربية.
وتشير تقارير مجلس الذهب العالمي إلى أن ما يُعلن رسمياً لا يمثل سوى ثلث المشتريات الحقيقية، ما يعكس نزعة متزايدة نحو تخزين الذهب سراً كأصل استراتيجي.
4. صناديق الاستثمار المتداولة
شهدت صناديق الذهب المتداولة تدفقات قياسية بلغت 47 مليار دولار هذا العام، مع زيادة الأصول المُدارة إلى 472 مليار دولار، في أكبر قفزة منذ عام 2020.
ويؤكد محللو “ديفير للاستثمار” أن الذهب بات “الملاذ المالي الأول” للمؤسسات الكبرى في ظل تراجع ثقة الأسواق في العملات الورقية.
5. شركات التعدين
ارتفعت أرباح شركات تعدين الذهب مثل أنغلو غولد أشانتي وإكوينوكس غولد بنسب قياسية، مع ثبات تكاليف الإنتاج وارتفاع الأسعار، ما خلق هوامش ربح تاريخية لم يشهدها القطاع منذ أربعة عقود.
6. شركات “الرويالتي والستريمنغ”
تُعد هذه الشركات المستفيد الأكبر من طفرة الذهب، إذ تمول المناجم مقابل نسب من الإنتاج المستقبلي دون تحمّل نفقات تشغيلية.
وحققت شركات مثل فرانكو-نيفادا ورويال غولد وساندستورم غولد نمواً لافتاً، لتصبح الوجه الحديث للاستثمار في الذهب بعوائد مستقرة ومخاطر منخفضة.
7. البيتكوين والعملات المشفرة
يسير البيتكوين في مسار موازٍ للذهب، إذ تجاوز 126 ألف دولار في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، محققاً رقماً تاريخياً جديداً.
ويرى محللو دويتشه بنك أن العملات المشفرة باتت تُعامل كـ”ذهب رقمي”، بفضل محدودية معروضها وازدياد الإقبال عليها كأصل للتحوط من التضخم.
الذهب والاقتصاد العالمي: ملاذ أم إنذار؟
تدل القفزة القياسية في أسعار الذهب على تراجع ثقة الأسواق بالنظام المالي التقليدي، وتزايد القلق من تضخم عالمي متسارع وتراجع الدولار الأميركي.
ويرى اقتصاديون أن استمرار الصعود بهذا النسق قد يُنبئ بمرحلة جديدة من إعادة تشكيل النظام النقدي الدولي، تكون فيها المعادن الثمينة والعملات الرقمية محور التوازن المالي العالمي المقبل.