مقالات وآراء

د. محمد عماد صابر يكتب: وهم القوة.. هل أدرك العالم حقًا “قوة إسرائيل”!

عندما قال بنيامين نتنياهو أمام دونالد ترامب في الكنيست إن «أعداءنا باتوا يدركون الآن قوة إسرائيل»، لم يكن يصف واقعًا جديدًا بقدر ما كان يحاول إحياء أسطورة قديمة تتهاوى. فالحرب الأخيرة على غزة لم تُثبت قوة إسرائيل، بل كشفت حدودها القصوى، وأظهرت أن القوة التي لا تنتصر على طفل يحمل حجرًا هي قوة خائفة أكثر منها قاهرة.

“بين القوة والوهن”


لم يعد سرًّا أن جيش الاحتلال الإسرائيلي فشل في تحقيق أهدافه رغم امتلاكه أحدث الأسلحة والدعم الأمريكي غير المحدود.
عامٌ كامل من القصف والتدمير، ولم تنكسر المقاومة، بل خرجت من تحت الركام تُقاتل من جديد. هذه ليست دلالة على “قوة إسرائيل”، بل على ضعفها الداخلي واستنزافها المستمر.
قال تعالى: ﴿كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [البقرة: 249]، فالقوة ليست في حجم النار، بل في صدق الإيمان والهدف وعدالة القضية.

“حماس لم تُدرك قوة إسرائيل.. بل كشفت ضعفها”
المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حماس، لم ترَ في الحرب الأخيرة قوةً خارقة، بل شاهدت عجزًا في الحسم، وارتباكًا في القرار، وانقسامًا داخل القيادة الإسرائيلية نفسها. إسرائيل التي كانت تتباهى بتقنياتها أصبحت تعتمد على الولايات المتحدة حتى في قرار وقف إطلاق النار، وعلى جيوش المرتزقة في الإعلام لتبييض صورتها.

“أمريكا والغرب.. دعم خوف لا إعجاب”


الولايات المتحدة والغرب لم يقفا مع إسرائيل إعجابًا بها، بل خوفًا من سقوطها. فإسرائيل بالنسبة إليهم مشروع استعماري وظيفي، يحمي مصالحهم في الشرق الأوسط، ويبقي المنطقة منقسمة.
لو كانت إسرائيل قوية حقًّا، لما احتاجت إلى حاملات طائرات أمريكية ومليارات الدولارات من المساعدات الطارئة، ولا إلى حماية دبلوماسية في مجلس الأمن في كل جلسة. القوة التي تحتاج إلى حماية الآخرين ليست قوة، بل وهم قوة.

“البعد الديني والاستعماري”


الدعم الغربي لإسرائيل ليس سياسيًا فحسب؛ بل له جذور عقدية ولاهوتية.
فالصهيونية المسيحية ترى في قيام إسرائيل تحقيقًا لوعد إلهي بعودة المسيح، ولذلك تُعامَل إسرائيل كـ«رمز مقدس» لا يجوز المساس به.
أما من منظور استراتيجي، فهي قاعدة متقدمة للمصالح الغربية، ورأس الحربة في مشروع إعادة تشكيل الشرق الأوسط.

“سقوط الأسطورة وصعود الوعي”


يبرز هذا الوهم “وهم قوة اسرائيل” ويؤكده إيران وحلفاؤها: اختبار الردع المفقود. من طهران إلى بيروت وصنعاء، تابعت القوى الإقليمية الحرب عن قرب، وخرجت بنتيجة واحدة: أن إسرائيل ليست مستعدة لخوض حرب متعددة الجبهات.
فهي تخشى الاستنزاف، وتُبالغ في الردع اللفظي أكثر من استعدادها للمواجهة الفعلية.


حتى الحوثيون الذين لا يملكون سدس ترسانة إسرائيل، استطاعوا أن يفرضوا واقعًا ميدانيًا أربك البحرية الأمريكية والإسرائيلية معًا.


ما جرى في غزة أعاد تشكيل وعي الشعوب، لم تعد ترى إسرائيل كقوة لا تُقهر، بل ككيان قائم على الذعر الدائم، ورغم التدمير والتهجير، ما زال الفلسطينيون يعودون إلى غزة من جديد، في مشهد يُجسّد الإيمان الذي لا يُهزم.
لقد فشلت إسرائيل في كسر إرادة المقاومة، بينما نجحت المقاومة في كسر هيبة الردع الإسرائيلي التي بُنيت عبر سبعة عقود.

بقراءة شرعية واستراتيجية نطمئن أكثر وأكثر : قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾[الأنفال: 60]، والقوة في المفهوم الإسلامي ليست فقط في السلاح، بل في الإرادة والإيمان والتنظيم والعدل. أما القوة التي تُبنى على الظلم وسفك الدماء، فهي زائلة بسنن الله في الكون: ﴿وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران: 140]. وإسرائيل بلغت اليوم ذروة فسادها وغطرستها، وهذه اللحظة في التاريخ كانت دائمًا مقدمة للانحدار.

ختامًا: “القوة الزائفة ونهاية المشروع”.


إسرائيل قوية في السلاح، لكنها ضعيفة في الأخلاق والشرعية.
مدعومة بكل العالم، لكنها عاجزة عن إطفاء مقاومة شعب محاصر.
تعيش على الخوف، وتُغذي نفسها بالأساطير، وتستدعي ترامب لتشهد أمامه على قوتها، بينما الحقيقة أن تلك القوة تنهار من داخلها. ﴿فَأَرَادَ أَن يَسْتَضْعِفَ طَائِفَةً مِّنْهُمْ فَنَجَّاهُمُ اللَّهُ﴾ [القصص: 4–5]، هكذا سقط فرعون، وهكذا ستسقط إسرائيل، لأن من ظن أنه الأقوى، هلك بضعفه الذي لا يراه.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى