العالم العربيمصر

مصر والسودان في خندق واحد بعد فيضانات النيل.. رسائل حازمة إلى أديس أبابا

شهدت محافظة المنوفية وعدة مناطق ريفية في دلتا النيل فيضانات غير مسبوقة غمرت منازل وأراضٍ زراعية واسعة، إثر ارتفاع منسوب نهر النيل بشكل ملحوظ خلال الأيام الماضية.

الحكومة تحمل سد النهضة المسؤولية

الحكومة المصرية ألقت باللوم على سد النهضة الإثيوبي، معتبرة أن زيادة التصريفات الأحادية ومخالفة القواعد الفنية في التخزين ساهمت في تفاقم الأضرار.

وفي السودان، لم تكن الأوضاع أفضل حالًا، إذ غمرت الفيضانات مناطق واسعة خاصة في الخرطوم، وأدت إلى نزوح أكثر من 1200 أسرة. تزامن ذلك مع ارتفاع منسوب النيل الأزرق وتدفق كميات كبيرة من المياه من السد، ما أثار جدلًا واسعًا حول تأثير سد النهضة على الفيضانات.

بينما تصر إثيوبيا على أن السد ساهم في تقليل أضرار الفيضان، مؤكدة أن تصريف المياه جرى بشكل منظم لتجنب الكوارث.

تحرك دبلوماسي مصري – سوداني

في خطوة جديدة لتعزيز الموقف المصري، توجّه وزير الخارجية بدر عبد العاطي إلى السودان والتقى قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في بورتسودان.

وخلال اللقاء، جرى التأكيد على وحدة الموقف بين القاهرة والخرطوم ورفض أي إجراءات أحادية من جانب إثيوبيا تتعلق بتشغيل أو ملء السد، باعتبارها انتهاكًا صريحًا للقانون الدولي ومصالح دولتي المصب.

هذا التقارب المصري السوداني يعكس تصعيدًا دبلوماسيًا محسوبًا يهدف إلى إيصال رسالة حازمة لإثيوبيا، مفادها أن ملف الأمن المائي أصبح أولوية استراتيجية لا تقبل المساومة.

لا خيار عسكري.. حتى الآن

يرى محمد أبو الفضل، مدير تحرير صحيفة الأهرام، خلال حديثه إلى برنامج التاسعة على قناة سكاي نيوز عربية، أن مصر لن تلجأ للخيار العسكري في الوقت الحالي، مشيرًا إلى أن السياسة المصرية تعتمد على الدبلوماسية والقانون الدولي والضغط السياسي والفني.

وأوضح أن مصر اتخذت كل الإجراءات الاحترازية خلال السنوات الماضية، سواء عبر تجهيز البنية التحتية لمواجهة الفيضانات، أو من خلال التحرك الدبلوماسي في الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة.

الفيضان تحت السيطرة.. والجفاف الخطر الحقيقي

يشير الخبراء إلى أن الفيضانات يمكن استيعابها جزئيًا، لكن الجفاف يمثل التهديد الأكبر، إذ قد يؤدي إلى كارثة حقيقية على دولتي المصب.ويرى محللون أن هذا يبرر تمسك القاهرة بضرورة وجود اتفاقيات ملزمة لإدارة مياه النيل تشمل آليات التشغيل والملء لضمان حماية مصالح مصر والسودان.

خبرة مصرية.. تهميشها يهدد الجميع

تملك مصر خبرة تمتد لأكثر من عشرة أعوام في إدارة السدود وتوليد الكهرباء والتحكم بالبنية التحتية المائية.
ويؤكد أبو الفضل أن هذه الخبرة كانت ستفيد إثيوبيا في تشغيل السد بطريقة آمنة ومستدامة، بدلًا من تحويله إلى مصدر توتر إقليمي.

وأشار إلى أن تجاهل أديس أبابا للتعاون الفني زاد من تعقيدات المشهد السياسي والأمني في المنطقة، خاصة بعد محاولات استقطاب السودان لترويج “مكاسب السد” على حساب مصر.

القاهرة والخرطوم.. تحالف استراتيجي

التقارب بين القاهرة والخرطوم بات عنصرًا حيويًا في مواجهة السياسات الأحادية لإثيوبيا.
ويرى الخبراء أن هذا التعاون يمكن أن يخلق توازنًا جديدًا في إدارة السد ويحد من محاولات إثيوبيا لاستغلال الخلافات بين دول المصب.

التنمية أم الصراع؟

رغم إعلان إثيوبيا أن السد فرصة للتنمية وتوليد الكهرباء، فإن النتائج جاءت دون التوقعات، بحسب أبو الفضل، الذي يرى أن الآمال التنموية لم تتحقق، بينما تفاقمت الأضرار البيئية والهيدرولوجية في دول المصب.

وتؤكد القاهرة أن النهج الصحيح يقوم على التعاون الفني والدبلوماسي، بعيدًا عن الصراع المفتعل أو السياسات الأحادية.

المجتمع الدولي أمام اختبار جديد

يشدد الخبراء على أن الخطاب المصري الحالي يهدف لاستنهاض المجتمع الدولي، خصوصًا أن السياسة المصرية تحظى بمصداقية عالية في الأوساط الإقليمية والدولية.

وتعتمد القاهرة على الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة للضغط على إثيوبيا، لضمان إدارة مسؤولة للسد تحمي مصالح مصر والسودان دون اللجوء إلى القوة.

صمود الدبلوماسية المصرية

بينما تلوح مخاطر التصعيد في الأفق، تبقى الدبلوماسية المصرية حجر الزاوية في إدارة أزمة سد النهضة.
فمن تجهيز البنية التحتية والتحركات القانونية والدبلوماسية، إلى تعزيز التحالف مع السودان، تتبنى القاهرة استراتيجية متكاملة تعتمد على القانون والسياسة والفنّية للحفاظ على مصالحها دون إشعال صراع.

وتختتم المصادر بالقول إن الرسالة المصرية واضحة:

مصر صبورة، لكنها لن تتحمل تجاوز الخطوط الحمراء.
وسد النهضة لن يكون أداة للتهديد، بل اختبارًا لمصداقية الدبلوماسية الدولية وقدرتها على منع الأزمات قبل فوات الأوان.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى