محمد عرض يكتب: الوعد بالبيع.. ومذكرات التفاهم الجديدة في الشرق الأوسط

حين اشتد الخلاف بين الشهيد أنور السادات، ومحمد حسنين هيكل، تم استدعاء الأخير للتحقيق أمام المدعي العام الاشتراكي.
وبعد ذلك بفترة، أصدر هيكل كتابه الشهير “وقائع تحقيق سياسي أمام المدعي العام الاشتراكي”.
من السياسة إلى القانون.. حين تتحول المواقف إلى مادة للتحقيق
ما يهمني هنا، أن هيكل اندهش مما واجهه من أسئلة اتصلت بآرائه ومواقفه السياسية.
كانت الأسئلة تدور في الفلك السياسي حول آرائه، ومواقفه، وتحليلاته، ورؤاه، وتوجهاته، واتصالاته، دون أن يُوجه إليه سؤال قانوني مباشر أو اتهام محدد.
فالمواقف السياسية أيضًا — كما استنتج هيكل — يمكن أن تكون محل تحقيقات وتقييمات، قد تخلص إلى مسؤولية قانونية.
من هيكل إلى الشرق الأوسط.. تشابه في المواقف
تذكرتُ هذا الكتاب لهيكل — رحمه الله — وأنا أشاهد مراسم توقيع اتفاق إيقاف الحرب لإقامة السلام في الشرق الأوسط.
ودار بخلدي ما درسناه في نظرية العقد خلال السنوات الأولى في كلية الحقوق، حول ما يُعرف بـ عقد الوعد بالتعاقد، أو للتسهيل على القارئ: الوعد بالبيع.
الوعد بالبيع ومذكرات التفاهم
كنت قد تعاملت منذ سنوات، أثناء أعمال قانونية لإحدى الشركات، مع ما يُعرف بـ مذكرات التفاهم بين شركتين تنويان تنفيذ عمل مشترك على مدى زمني ممتد، وليس حال التنفيذ الفوري.
تعمّقت حينها في دراسة مفهوم مذكرة التفاهم ومدى قوتها الإلزامية القانونية، وهل تُعد ملزمة قانونًا للأطراف أم لا؟
وطبعًا، صياغة النصوص القانونية أمر جوهري في هذا السياق.
الاتفاق الجديد.. وعد بالتعاقد أم مذكرة تفاهم؟
كل ذلك دار في خلدي مساء الأمس وأنا أقرأ تلك الوثيقة التي وقعتها مصر وتركيا وقطر والولايات المتحدة.
كان السؤال الذي يشغلني هو:
ما هو التكييف القانوني لهذه الوثيقة؟
هل تُعد من قبيل مذكرات التفاهم؟
أم هي في حقيقتها عقد “وعد بالتعاقد”؟
وفي الحالتين، هل تُعد هذه الوثيقة أحد مصادر القانون الدولي، باعتبار أن الاتفاقيات تُشكّل أولى مصادره؟
التزامات مصر وحقوقها القانونية
ما هي الالتزامات التي تقع على مصر بموجب هذه الوثيقة؟
وما هي حقوقها في المقابل؟
وماذا لو تراجعت مصر عن توقيعها؟
وما هي القوة الإلزامية لهذه الوثيقة على كلٍّ من السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية؟
من المهم الإشارة إلى أن السلطة الفلسطينية كانت ممثلة في الحضور، بما يؤكد توافر العلم بالوثيقة وما تحويه، مع وجود إرادة ضمنية بالموافقة عليها،
بينما إسرائيل لم تكن ممثلة بالحضور.
هل الوثيقة دستور جديد لمجلس السلام؟
تُطرح هنا تساؤلات أخرى:
هل ستكون الوثيقة بمثابة الدستور الذي سيلتزم به “مجلس السلام” المزمع تشكيله لإدارة غزة، برئاسة الرئيس الأمريكي وعضوية مصر؟
وهل تُلزم العبارات الفضفاضة مثل: التعهد، والضمان، والالتزام ببذل كل الجهد نحو السلام في الشرق الأوسط — الأطراف الموقعة بالقيام أو الامتناع عن أعمال يراها المجلس ضرورية لنشر السلام؟
البعد الدستوري الداخلي
إذا كانت الوثيقة تُعتبر بمثابة دستور يعمل بموجبه مجلس السلام لإدارة غزة،
فهل كان توقيع الأطراف عليها — وخاصة مصر — يتطلب عرضها على السلطة التشريعية الوطنية أولًا؟
وذلك باعتبارها اتفاقية دولية قد تُرتب التزامات وتبعات دولية على الدولة المصرية.
فالمصريون ما زالوا يتذكرون جيدًا اتفاق 2015 وما ترتب عليه من نتائج.