أخبار العالمملفات وتقارير

ترامب أمام الكنيست: خطاب استعراضي يعيد رسم “الشرق الأوسط الجديد”

ألقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطابًا مطولًا أمام الكنيست الإسرائيلي وصفه بـ”الفجر التاريخي للشرق الأوسط الجديد”، مؤكدًا أن الاتفاقات التي رعتها واشنطن مؤخرًا تمهد لعصر من “السلام والازدهار” في المنطقة.

لكن مراجعة مضمون الخطاب تكشف أنه احتوى على سلسلة من الادعاءات المثيرة للجدل، تراوحت بين المبالغة السياسية والأخطاء العسكرية والتضليل الإحصائي.

إنهاء 8 حروب في 8 أشهر: إنجاز أم مبالغة سياسية؟

ادعى ترامب أن إدارته أنهت “ثماني حروب في ثمانية أشهر”، غير أن الوقائع الميدانية والدبلوماسية لا تدعم هذا التصريح.

فالاتفاقات التي أشار إليها كانت في معظمها تفاهمات مؤقتة أو وقفات إنسانية محدودة في نزاعات مثل إسرائيل وإيران، أو الهند وباكستان، أو أرمينيا وأذربيجان.

وفي الوقت ذاته، لم تُنهِ واشنطن أي نزاع جذريًا، بل ظلت بعض المناطق، مثل الكونغو ورواندا، تشهد أعمال عنف رغم توقيع اتفاقات تهدئة شكلية.

أما أزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا، فما زالت دون حل، مما يضعف مصداقية خطاب “إنهاء الحروب”.

الملف العسكري: خلط في الأرقام والطرازات

قال ترامب إن الولايات المتحدة أصدرت أوامر لشراء “28 طائرة بي-2 شبحية إضافية”، لكن المعلومات الموثقة من سلاح الجو الأميركي تؤكد أن إنتاج هذا الطراز توقف منذ عام 2000 بعد تصنيع 21 طائرة فقط.

ويتركز الإنفاق العسكري الأميركي حاليًا على الطائرة الأحدث “بي-21 رايدر” التي يُنتظر أن تحل محل “بي-2” و“بي-1”.

ويُعد هذا التصريح أحد أبرز الأخطاء التقنية في خطاب ترامب، ويعكس ضعف الدقة في التفاصيل العسكرية التي قدمها للرأي العام الإسرائيلي.

الحرب في أوكرانيا: أرقام خارج الواقع

من بين أكثر مقاطع الخطاب إثارة للجدل حديث ترامب عن “مقتل 7 آلاف جندي أوكراني أسبوعيًا”، وهو رقم لا يستند إلى أي مصدر رسمي أو تقدير استخباراتي معروف.

فبيانات وزارة الدفاع الأوكرانية والمنظمات الدولية تشير إلى أن إجمالي الخسائر الأسبوعية (قتلى وجرحى) لا يتجاوز هذا الرقم مجتمعًا.

وحتى في أكثر المعارك دموية، مثل باخموت وأفدييفكا، لم تقترب الخسائر من المستوى الذي ذكره ترامب.

ويرى مراقبون أن الهدف من تضخيم الأرقام هو إظهار الحرب الأوروبية كعبء على واشنطن لتبرير سياسات الانسحاب وتقليص الدعم.

الهجوم على إيران: “عملية المطرقة” غير المؤكدة

تطرق ترامب إلى ما سماه “عملية المطرقة منتصف الليل”، مدعيًا أن الطيران الأميركي ألقى 14 قنبلة على منشآت إيران النووية “ودمرها بالكامل”.

لكن لا توجد تقارير استخباراتية تؤكد هذا السيناريو، إذ تشير التقييمات الغربية إلى أن الهجمات ألحقت أضرارًا محدودة بالمنشآت، ولم توقف البرنامج النووي الإيراني بشكل دائم.

ويرى محللون أن الخطاب استغل الغموض المحيط بالعملية لتعزيز صورة القوة الأميركية، دون أدلة ملموسة.

حزب الله والسلاح اللبناني: الواقع يناقض التصريحات

قال ترامب إن “خنجر حزب الله قد تحطم”، وإن الرئيس اللبناني الجديد سيتولى “نزع سلاح الحزب بشكل دائم”.

لكن المعطيات الميدانية تفيد بأن قدرات الحزب العسكرية لا تزال قائمة، وأن أي مسار جدي لنزع السلاح لم يبدأ فعليًا، ما يجعل التصريح أقرب إلى تمنٍ سياسي منه إلى واقع عسكري.

العلاقات المصرية الأميركية: واقعة السيسي وهيلاري

زعم ترامب أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي “لم يقابل هيلاري كلينتون إلا لثانيتين”، بينما تؤكد سجلات الأمم المتحدة أن اللقاء بينهما عام 2016 استمر أكثر من ساعة وتناول ملفات الأمن والإصلاح الاقتصادي.

ويعكس هذا التناقض ميل ترامب إلى إعادة صياغة الأحداث لتخدم السردية التي يطرحها عن قوته السياسية في مواجهة خصومه الديمقراطيين.

ما وراء الخطاب: بين الدعاية والرمزية

جاء خطاب ترامب في الكنيست محمّلًا بالرمزية السياسية، مستهدفًا الداخل الأميركي بقدر ما استهدف الإسرائيليين.

فمن خلال مبالغات “الانتصارات الخارجية”، يسعى الرئيس الأميركي إلى تثبيت صورته كصانع سلام عالمي استعدادًا للاستحقاقات الانتخابية المقبلة.

لكن خلف هذه الرواية، تكشف الحقائق عن خطاب دعائي مفعم بالمبالغة والانتقائية، يخلط بين الوقائع والرموز لتحقيق أثر سياسي قصير المدى.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى