
تُروّج مؤسسات السلطة في مصر لخطاب رسمي يصف عهد قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي بأنه العقد الذهبي للمرأة المصرية، لكنّ الواقع الميداني يكشف نقيض ذلك تمامًا.
فمنذ انقلاب يوليو/ تموز 2013، دخلت مصر مرحلة غير مسبوقة من القمع الأمني والتراجع الحقوقي، كانت النساء أبرز ضحاياه.
وبينما تتحدث مؤتمرات وزارة الأوقاف عن “تمكين المرأة”، يعيش ملايين المصريات تحت ضغط اقتصادي خانق، وسط تهميش سياسي، واستهداف أمني، وانتهاكات مستمرة في السجون ومراكز الاحتجاز.
صورة مصطنعة لقائد الانقلاب
قدّم السيسي نفسه إعلاميًا كـ”منقذ للمرأة”، وروّج مؤيدوه لصورته بوصفه نصير النساء، غير أن الوقائع تؤكد أن عهد السيسي شهد أعلى معدلات الاعتقال والانتهاك ضد النساء في تاريخ مصر الحديث.
ففي الوقت الذي يطلق فيه على نفسه “وزير المرأة”، تشهد البلاد قمعًا غير مسبوق ضد الناشطات والمدافعات عن حقوق الإنسان، وتُمارس السلطات الأمنية أقسى أشكال العنف والتهديد الجنسي لكسر إرادتهن.
قمع أمني واعتقال للنساء
منذ انقلاب 2013، وثّقت منظمات حقوقية، بينها We Record وهيومن رايتس ووتش، اعتقال نحو 2800 امرأة وفتاة، بعضهن قاصرات لم يتجاوزن 17 عامًا.
تم تحويل العشرات إلى محاكم عسكرية، وأُدرجت أسماء 151 امرأة على قوائم الإرهاب، في حين تعرضت المئات للاختفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي.
تؤكد تقارير حقوقية أن “النساء في عهد السيسي لم يعدن استثناءً من القمع، بل في صميم آلة الترهيب السياسي”.
انهيار اقتصادي وفقر نسوي متصاعد
تسببت السياسات الاقتصادية الكارثية لحكم السيسي في تدمير الطبقة المتوسطة، وتحميل النساء عبء الانهيار المعيشي.
فمع رفع الدعم عن الوقود والكهرباء والخبز، وارتفاع الأسعار لأرقام قياسية، أصبحت المرأة المدرسة والمستشفى والمأوى في آن واحد، تكافح لتغطية نفقات الأسرة وسط تضخم تجاوز 40% وفقدان الجنيه أكثر من نصف قيمته.
وتشير تقارير التنمية إلى أن نسبة الفقر بين النساء هي الأعلى منذ عقود، خاصة بين الأسر المعيلة والمطلقات، حيث أُجبر كثير من النساء على العمل في ظروف قاسية أو تزويج بناتهن قاصرات لتخفيف الأعباء المالية.
التحرش والعنف الجنسي.. بلا رادع
رغم إصدار قوانين شكلية لمكافحة التحرش والعنف ضد النساء، فإن الأجهزة الأمنية نفسها متهمة بارتكاب هذه الجرائم.
وتؤكد الإحصاءات أن 99% من النساء المصريات تعرّضن لشكل من أشكال التحرش الجنسي، بينما فشلت السلطات في توفير حماية حقيقية للضحايا أو محاسبة الجناة.
بل تم توثيق حالات اعتداء جنسي داخل مقار أمنية وسجون، واستخدام التهديد بالاغتصاب كأداة انتقام سياسي ضد المعتقلات والمعارضات.
تكميم الأفواه واستهداف الناشطات
تواصل سلطات الانقلاب ملاحقة الناشطات عبر قوانين الجرائم الإلكترونية، وتوجيه تهم “خدش الحياء” و“تقويض القيم الأسرية” لمن يعبّرن عن آرائهن على مواقع التواصل.
ومنذ عام 2020، اعتُقلت ما لا يقل عن 9 نساء مؤثرات، بعضهن ضحايا عنف جنسي، بسبب نشر مقاطع تطلب المساعدة أو تنتقد الوضع المعيشي.
هذه السياسة تعكس عقلية أمنية تُجرّم النساء بدل حمايتهن، وتحوّل الضحايا إلى متهمات.
التمكين الزائف.. أرقام بلا مضمون
يقدّم النظام أرقامًا عن “زيادة تمثيل النساء في البرلمان والحكومة”، لكن الحقيقة أن تلك المناصب تُمنح لمواليات للسلطة فقط، كجزء من تلميع الصورة في الخارج.
ففي التشكيل الوزاري الأخير، انخفض تمثيل النساء إلى 12% فقط، ومعظمهن لا يمتلكن سلطة حقيقية أو تأثيرًا سياسيًا.
أما المستقلات والمعارضات، فمكانهن السجون أو المنفى.
قوانين شكلية وعدالة غائبة
سنّ النظام تعديلات قانونية لتجميل صورته دوليًا، كقانون مكافحة التحرش وتجريم الختان، لكنها بقيت حبرًا على ورق.
لا تزال النساء يواجهن تمييزًا قضائيًا صريحًا في قضايا الطلاق والميراث والوصاية، في ظل نظام يشرعن الذكورية القانونية ويُقصي المنظمات النسوية المستقلة.
خاتمة: “العصر الذهبي”… أكذوبة الانقلاب
ما يسميه السيسي العصر الذهبي للمرأة المصرية ليس سوى واجهة دعائية لسلطة استبدادية.
فالمرأة في مصر اليوم تُعتقل لأنها تغرّد، وتُهان لأنها تُطالب بحقها، وتُحرم من العدالة لأنها فقيرة.
إن عهد قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي مثّل واحدة من أحلك الفترات في تاريخ المرأة المصرية، حيث اجتمع القمع الأمني والانهيار الاقتصادي والتمييز الاجتماعي في معادلة واحدة:
قهرٌ باسم التمكين، وصمتٌ دولي على جرائم تُرتكب كل يوم ضد النساء.