اتفاقية التعاون الدفاعي بين تونس والجزائر تثير تساؤلات ومعارضة تطالب بالكشف عن مضمونها

تتصاعد في الساحة التونسية تساؤلات حادة منذ توقيع اتفاقية التعاون الدفاعي بين تونس والجزائر، وسط جدل حول طبيعتها، ومخاوف من تأثيرها على السيادة الوطنية التونسية، في مقابل تأكيدات رسمية بأنها تأتي لتعزيز الأمن المشترك ومواجهة التحديات الإقليمية.
وجرى توقيع الاتفاقية خلال زيارة وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي إلى الجزائر بين 6 و8 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، في سياق إقليمي متوتر تشهد فيه المنطقة تصاعدًا في المخاطر الأمنية.
وزارة الدفاع: اتفاقية مكملة لتعزيز الشراكة الاستراتيجية
قالت وزارة الدفاع التونسية في بيان بتاريخ 7 أكتوبر، إن الاتفاقية الجديدة “مكملة لاتفاقية موقعة في عام 2001”، وتأتي لجعل التعاون أكثر شمولًا واستجابة لتطلعات الطرفين، مؤكدة أنها تفتح آفاقًا جديدة للتعاون الثنائي في مواجهة التحديات الأمنية والإرهابية المشتركة.
وأضاف البيان أن الاتفاقية تسعى إلى تفعيل الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وتعزيز قدرات الجيشين في مجالات التدريب وتبادل المعلومات والتصدي للتهديدات العابرة للحدود.
المعارضة: غموض في المضمون ومخاوف على السيادة
قال رياض الشعيبي، عضو جبهة الخلاص الوطني المعارضة، إن من “السابق لأوانه الحديث عن موقف واضح من الاتفاقية لأنها لم تُنشر بعد ولم يُكشف عن مضمونها”.
وأضاف في تصريحات صحفية:
“السلطات التونسية تعتمد الغموض في الحديث عن الاتفاقية، ونطالب بنشر نصها حتى يتمكن الرأي العام من الاطلاع عليها ومناقشتها.”
وأوضح الشعيبي أن الإجراءات القانونية تلزم عرض الاتفاقية على البرلمان ونشرها في الرائد الرسمي، مشيرًا إلى أن ذلك لم يحدث حتى الآن.
واعتبر أن توقيع الاتفاقية تم بطريقة مفاجئة وسريعة، الأمر الذي أثار مخاوف حقيقية بشأن حماية السيادة الوطنية، مضيفًا:
“العلاقات التونسية الجزائرية قوية تاريخيًا، ولا نعارض التعاون الأمني، لكننا نطالب بالشفافية وضمان احترام مصالح الشعبين.”
وانتقد الشعيبي ما وصفه بـ”توظيف السلطة الحالية لمفهوم الإرهاب لتبرير كل تحرك أمني”، محذرًا من أن ذلك “قد يخلط بين المعارضة السياسية والتهديدات الحقيقية للأمن الوطني”.
محللون: التعاون الأمني ضرورة استراتيجية
من جانبه، قال المحلل السياسي عبد الرزاق الخلولي إن التعاون العسكري بين تونس والجزائر ليس جديدًا، لكنه انتقل الآن إلى إطار رسمي ومؤسسي.
وأوضح أن الدولتين تتقاسمان حدودًا تمتد لأكثر من ألف كيلومتر، تواجه تحديات مشتركة مثل الإرهاب والتهريب والجريمة المنظمة، مؤكدًا أن الاتفاقية “تجسيد لرؤية مفادها أن أمن تونس من أمن الجزائر والعكس صحيح“.
وأضاف الخلولي أن الاتفاق يشمل “تبادل المعلومات الاستخباراتية، والتدريب العسكري، والدعم اللوجستي، ومراقبة الحدود”، مشددًا على أن “التعاون بين البلدين يهدف إلى تعزيز الاستقرار في شمال إفريقيا والساحل الإفريقي“.
ورأى أن انتقادات المعارضة تدخل ضمن ما وصفه بـ”محاولات سياسية لعرقلة أي تعاون خارجي تقوم به الدولة”، معتبرًا أن الاتفاق “يعكس علاقات طبيعية بين دولتين شقيقتين تجمعهما مصالح استراتيجية”.
سياق إقليمي متوتر ودوافع مشتركة
بدوره، قال الصحفي الجزائري المقيم في تونس نصر الدين بن حديد إن الظرفين المحلي والإقليمي يفرضان هذا النوع من التعاون، لاسيما في ظل التوترات الممتدة في منطقة الساحل والصحراء وشرق إفريقيا.
وأشار إلى أن زيارة وزير الدفاع التونسي إلى الجزائر كانت “نقلة نوعية في العلاقات الثنائية”، موضحًا أن الاستقبال الذي حظي به خالد السهيلي من قبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يعكس أهمية الحدث.
وأكد بن حديد أنه لا يوجد في الاتفاقية ما يشير إلى تدخل أو هيمنة جزائرية، مضيفًا أن أقصى ما تتضمنه بنودها هو “تنظيم دوريات مشتركة على الحدود لتأمينها ومواجهة المخاطر”.
شراكة أمنية تعزز الاستقرار في المنطقة
يرى مراقبون أن الاتفاقية تأتي ضمن مسار طويل من التعاون الأمني بين تونس والجزائر، خاصة في ظل اشتداد التهديدات الإرهابية العابرة للحدود، وتنامي نشاط الجماعات المسلحة في منطقة الساحل.
ويؤكد هؤلاء أن الاتفاق “سيعزز الاستقرار الإقليمي، ويقوي قدرات الدولتين في مواجهة المخاطر المشتركة”، فيما يبقى الغموض حول بنود الاتفاق مصدر قلق للمعارضة، التي تطالب بمزيد من الشفافية والمساءلة.
وتبقى الأنظار متجهة إلى نشر نص الاتفاقية رسميًا ليتضح مدى تأثيرها على العلاقات الثنائية ومستقبل التعاون العسكري بين تونس والجزائر في المرحلة المقبلة.