الطب الشرعي في غزة يكشف آثار تعذيب على جثامين فلسطينيين أفرجت عنهم إسرائيل ضمن صفقة تبادل الأسرى

كشف أحمد ضهير، مدير دائرة الطب الشرعي في مستشفى ناصر بمدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، عن وجود آثار تعذيب وتقييد واضحة على جثامين فلسطينيين أفرجت عنهم إسرائيل ضمن صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، التي دخلت حيز التنفيذ في 10 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
تسليم 90 جثمانًا منذ بدء تنفيذ الاتفاق
وأعلنت وزارة الصحة في غزة أن إسرائيل سلّمت عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر حتى الآن 90 جثمانًا لفلسطينيين، بينهم 45 جثمانًا وصلوا الأربعاء، بعد دفعة مماثلة في اليوم السابق.
وقال ضهير إن الدفعة الأولى من الجثث كانت بحالة تجمد تام، وبدت ملامح بعضها غير واضحة، بينما ظهر على بعضها الآخر آثار تقييد وتعذيب وربط على العينين.
وأوضح أن الدفعة الثانية التي وصلت الأربعاء كانت متحللة بشكل واضح وتحمل آثار طين وتراب، ما يرجّح أنها دُفنت أو أُخفيت لفترة طويلة قبل تسليمها.
وسائل بدائية لفحص الجثث والتعرف على الهوية
أشار ضهير إلى أن مستشفى ناصر يتعامل مع هذه الحالات عبر أربع فرق للطب الشرعي تتولى توثيق الجثامين وتصويرها وتقدير زمن الوفاة وتحديد الإصابات المحتملة.
وأضاف أن الأطباء يعتمدون على وسائل بدائية بسبب غياب أجهزة فحص الحمض النووي (DNA) في القطاع نتيجة الحصار الإسرائيلي، موضحًا أنهم يلجؤون إلى ملامح الوجه والملابس والمقتنيات الشخصية أو ما يقدمه ذوو المفقودين من أوصاف للتعرف على الهويات.
وقال إن إسرائيل أخذت بصمة الإبهام وعينات من الفخذ لفحص الحمض النووي، لكنها لم تُبلغ الجانب الفلسطيني بالنتائج حتى الآن، مضيفًا:
“لا نعلم ما إذا كانت إسرائيل ستسلم نتائج هذه الفحوصات لنا أم لا.”
جثامين مجهولة ومقابر منظمة مؤقتة
وأوضح ضهير أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر تجمع بيانات متاحة عن الجثث، وتمكنت حتى الآن من تحديد هويات ثلاثة فقط، بينما تبقى البقية مجهولة الهوية.
وبيّن أنه في حال عدم التعرف على الجثث خلال خمسة أيام، سيتم دفنها في قبور مرقمة وفق خرائط دقيقة وسجلات رسمية، تتيح للأهالي التعرف عليها لاحقًا عند توفر معلومات جديدة.
إسرائيل ما زالت تحتجز مئات الجثامين
بحسب الحملة الوطنية الفلسطينية لاسترداد جثامين الشهداء، تواصل إسرائيل احتجاز 735 جثمانًا لفلسطينيين، بينهم 67 طفلًا، منهم 256 جثمانًا في مقابر الأرقام — وهي مدافن سرية بلا شواهد تُستبدل فيها أسماء الشهداء بأرقام.
وأشارت صحيفة هآرتس العبرية في تقريرها بتاريخ 16 يوليو/ تموز الماضي إلى أن الجيش الإسرائيلي يحتجز نحو 1500 جثمان لفلسطينيين من قطاع غزة داخل معسكر سدي تيمان جنوبي إسرائيل، وهو معسكر يُعرف بـ”سوء سمعته” نتيجة الانتهاكات التي تقع فيه.
اتفاق التبادل ضمن خطة ترامب
في 9 أكتوبر الجاري، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التوصل إلى اتفاق بين حماس وإسرائيل على المرحلة الأولى من خطة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، بوساطة تركيا ومصر وقطر وتحت إشراف أمريكي مباشر.
وفي إطار الاتفاق، أفرجت حماس عن 20 أسيرًا إسرائيليًا أحياء، وسلمت حتى الأربعاء 10 جثامين من أصل 28، فيما ادعت تل أبيب أن إحدى الجثث لا تتطابق مع بيانات أسراها.
بالمقابل، أفرجت إسرائيل عن 250 أسيرًا فلسطينيًا محكومين بالمؤبد، إضافة إلى 1718 معتقلًا من غزة، و90 جثمانًا لفلسطينيين ضمن صفقة التبادل التي جاءت بعد عامين من الحرب على القطاع.
حرب الإبادة في غزة: أرقام الكارثة الإنسانية
منذ 8 أكتوبر 2023، شنت إسرائيل حربًا وُصفت بأنها إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة، أسفرت عن استشهاد 67,938 شخصًا وإصابة 170,169 آخرين، معظمهم من الأطفال والنساء، وفق تقديرات أممية.
كما أدت المجاعة الناتجة عن الحصار إلى وفاة 463 فلسطينيًا، بينهم 157 طفلًا، فيما بلغت تكلفة إعادة الإعمار التقديرية نحو 70 مليار دولار.
ويرى خبراء أن ما كشفه الطب الشرعي في غزة بشأن آثار التعذيب على الجثامين يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، ويستدعي تحقيقات دولية مستقلة لمحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم.