شباك نورمقالات وآراء

د. أيمن نور يكتب: احذروا… التمساح يعضّ ذيله

في عالم الحيوان، ثمة مشهد غريب يثير دهشة العلماء والشعراء.
حين يُصاب التمساح بحالة من الاضطراب العصبي القهري، يفقد الإحساس بمكان جسده،
فيرى ذيله فريسة تتحرك خلفه، فيضربها، يطاردها، ثم يعضّها بأسنانه الغليظة،
حتى تنغرز أنيابه في لحمه، ويبدأ — دون وعي — في التهام نفسه.

يسمّي العلماء هذه الحالة “العدوان الذاتي عند التماسيح”.
ويقولون إنها تحدث عندما يختلط الإدراك بالغريزة،
ويتحول الخوف إلى هجوم، والدفاع إلى فناءٍ ذاتيٍّ بطيء،
حيث يفقد المخلوق وعيه بحدوده،
فيصبح ذيله — الذي كان وسيلته للاتزان — عدوّه الأول.

ما أشبه بعض الكائنات السياسية بهذه الحالة.
أنظمةٌ ترى في شعوبها خطرًا،
وفي صوت العقل مؤامرة،
وفي سؤال الحرية جريمة.
تلتهم ذيولها — أي أطرافها —
ظنًّا أنّها تصطاد الأعداء،
بينما تنهش جسدها حتى العظم،
كما يفعل التمساح حين يخطئ الفريسة.

بعض البلدان في منطقتنا صارت تشبه هذا الكائن الضائع بين غريزته وظله.
يظنّ أنه يحمي نفسه، فيحرقها،
ويظن أنه ينقذ وطنه، فيغرقه،
يشعل النار في ثوبه ليُضيء الطريق،
فلا يبقى له لا ثوب، ولا طريق.

التاريخ لا يرحم التماسيح التي التهمت ذيولها.
ولا الأمم التي صدّقت أنّ الأمن يُبنى على الخوف،
ولا الأنظمة التي نسيت أنّ الشعب هو الجسد،
وأن من يعضّ ذيله… يبدأ رحلة موته من فمه.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى