العالم العربيسوريا

زيارة الشرع إلى موسكو: محاولة لإحياء الدور الروسي في الجنوب السوري

تأتي زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى موسكو في توقيت بالغ الحساسية، إذ تتشابك الملفات السياسية والعسكرية على الساحة السورية، في ظل رهانات إقليمية ودولية متصاعدة على مستقبل الجنوب السوري، الذي يُعد من أكثر المناطق سخونة وتعقيدًا في البلاد.

الجنوب السوري.. ساحة صراع بين الغارات الإسرائيلية والرهانات الدولية

يحمل ملف الجنوب السوري أبعادًا أمنية متعددة، أبرزها الغارات الإسرائيلية المتكررة ضد مواقع إيرانية، ومحاولات واشنطن فرض ترتيبات جديدة تحت عنوان “خفض التصعيد”، وسط تراجع نسبي للدور الروسي خلال السنوات الأخيرة.

وتسعى دمشق من خلال هذه الزيارة إلى الاستعانة بموسكو لاستعادة حضورها في الجنوب، سواء عبر إعادة ضبط قواعد الاشتباك مع إسرائيل أو إحياء اتفاق فصل القوات لعام 1974، في وقت تحاول فيه روسيا إثبات قدرتها على لعب دور الضامن الأمني وموازنة التمدد الإسرائيلي وتنافس القوى الدولية في المنطقة.

مقترح لإعادة نشر الشرطة العسكرية الروسية في الجنوب

بحسب مصادر إعلامية، طرح الرئيس أحمد الشرع خلال لقائه مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين فكرة إعادة نشر الشرطة العسكرية الروسية في الجنوب السوري، بهدف منع أي خروقات جديدة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي.

ويرى مراقبون أن الخطوة تعكس رغبة دمشق في تثبيت مظلة أمنية روسية جديدة، بعدما تقلّصت فعالية الدور الروسي الميداني منذ عام 2022، نتيجة انشغال موسكو بحربها في أوكرانيا.

محللون: روسيا فقدت نفوذها والولايات المتحدة تتحكم بالملف

قال المحلل السياسي باسل معراوي إن “قصة الفشل الروسي في سوريا خلال السنوات العشر الماضية واضحة للعيان”، مضيفًا أن “التدخل العسكري الروسي الذي بدأ تحت ذريعة محاربة الإرهاب، تحوّل إلى غطاء سياسي وجوي للنظام وميليشيات فيلق القدس”.

وأوضح أن روسيا حظيت في بدايات تدخلها برضى عربي وغربي وحتى إسرائيلي، على أمل تقليص النفوذ الإيراني، “لكن النتيجة جاءت عكسية”، مؤكدًا أن موسكو لم تفِ بالتزاماتها تجاه واشنطن وتل أبيب بعد وقف دعم غرفة “الموك” للمعارضة في الجنوب عام 2018.

وأشار معراوي إلى أن “الوجود الإيراني وحزب الله أصبح علنيًا على حدود الجولان”، في حين اكتفت موسكو “بإرضاء الإسرائيليين عبر السماح لطائراتهم باستهداف المواقع الإيرانية بحرية”، مقابل تحييد قوات النظام.

وأضاف أن العلاقة بين موسكو وتل أبيب تراجعت بسبب الموقف الإسرائيلي المنحاز للغرب في حرب أوكرانيا، مؤكدًا أن “الرهان على روسيا للضغط على إسرائيل غير واقعي، لأن موسكو فقدت أدواتها ونفوذها، وانشغلت بالحرب الأوكرانية”.

واشنطن تتحرك لتقويض العودة الروسية

وأوضح معراوي أن الولايات المتحدة دخلت بقوة على خط الجنوب السوري، من خلال رعاية الاتصالات بين دمشق وتل أبيب، وتنظيم لقاءات علنية بين وزيري الخارجية، إضافة إلى التنسيق مع إسرائيل في ملف السويداء، معتبرًا أن واشنطن “لن تسمح بعودة النفوذ الروسي إلى الجنوب”.

روسيا تحاول تثبيت موطئ قدم جديد عبر التنسيق مع إسرائيل

من جانبه، قال الباحث في مركز جسور للدراسات رشيد حوراني إن “روسيا سعت منذ عملية طوفان الأقصى إلى تحييد النظام السوري عن محور وحدة الساحات”، مشيرًا إلى أن موسكو تحافظ على توازن دقيق في علاقاتها مع دمشق وتل أبيب، مستغلة هذا التوازن كمدخل لإعادة تأهيل النظام السوري سياسيًا.

وأضاف حوراني أن موسكو نسّقت مع القوات الدولية في الجنوب لاستبدال القوة الإيرلندية بقوات كازاخستانية، وأنشأت 14 نقطة مراقبة لضبط التحركات الإيرانية، في حين وجهت إسرائيل تحذيرات مباشرة للنظام من الانخراط في أي عمليات إلى جانب طهران.

وأوضح أن “إسرائيل تنظر إلى روسيا كضامن موثوق في التعامل مع الإدارة السورية الجديدة، فيما ترى دمشق في موسكو شريكًا يمكن أن يحدّ من التجاوزات الإسرائيلية”، معتبرًا أن الجنوب السوري قد يتحول إلى ساحة اختبار حقيقية للعلاقة بين البلدين.

توازنات دقيقة بين موسكو وواشنطن وتل أبيب

ويرى حوراني أن الولايات المتحدة لا تمانع تعاونًا روسيًا محدودًا في الجنوب إذا ساهم في كبح النفوذ الإيراني، لكن يبقى القرار بيد الإدارة السورية، التي يمكنها استثمار هذا الملف كورقة تفاوضية لإعادة التوازن في علاقاتها بين موسكو وواشنطن وتل أبيب.

خلاصة: موسكو بين اختبار الدور وحدود النفوذ

تعكس زيارة الرئيس السوري إلى موسكو محاولة لإحياء الدور الروسي في سوريا ضمن مشهد إقليمي متغير، تتقاطع فيه مصالح القوى الكبرى.
وفي الوقت الذي تسعى فيه دمشق إلى توظيف الدعم الروسي لإعادة تثبيت معادلة الردع في الجنوب، تبقى قدرة موسكو على تحقيق ذلك رهينة بتوازناتها المعقدة مع إسرائيل والولايات المتحدة، وبما تسمح به ميادين الصراع من هوامش للمناورة والتحرك السياسي.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى