مقالات وآراء

مصباح العلي يكتب : تداعيات قمة شرم الشيخ: مخاض شرق أوسط جديد

لم يكن تهميش لبنان وسوريا، أو ما يُعرف بدول الطوق، غيابًا عرضيًا في قمة شرم الشيخ،

بل كان أحد أبرز المؤشرات على طبيعة التحول الجاري في الإقليم. فالقمة التي بدت في ظاهرها محاولة لإرساء استقرار هشّ بعد حرب غزة، كشفت في عمقها عن مشروع سياسي جديد يتجاوز حدود الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي نحو إعادة رسم خريطة النفوذ في الشرق الأوسط.

منذ بدايات طوفان الأقصى، رفع بنيامين نتنياهو شعار “إسرائيل الكبرى”، مروّجًا لفكرة أن الحرب التي كان يُفترض أن تهز الكيان،

تحولت إلى فرصة لتكريس موقعه كقوة إقليمية كبرى. وقد استثمرت إسرائيل – بدعم أميركي غير محدود – في الحدث لتفكيك ما تبقى من بنية “محور المقاومة”، بعدما كان يُنظر إليه طويلاً كمشروع موازٍ يحد من الهيمنة الأميركية.

اغتيال السيد حسن نصرالله، وفق ما تسرب من دوائر القرار، شكّل لحظة مفصلية في هذا المسار

؛ إذ مثّل إعلانًا غير مباشر لشطب حزب الله من معادلة الردع، وتكريساً لانكسار النموذج الذي شكله لعقود في مواجهة إسرائيل. ومع انهيار منظومة الأسد في سوريا، دخلت المنطقة عمليًا مرحلة “الشرق الأوسط الأميركي”، حيث تستعيد واشنطن زمام المبادرة السياسية والعسكرية بعد عقدين من التراجع والارتباك.

قمة شرم الشيخ لم تكن مجرد اجتماع طارئ، بل كانت بمثابة إشهار رسمي لميلاد توازن جديد، تُعاد فيه صياغة العلاقات بين العواصم العربية و”تل أبيب” تحت مظلة المصالح الاقتصادية والأمنية المشتركة. أما لبنان وسوريا، فبدتا خارج الحسابات، وربما خارج الخريطة السياسية الجديدة مؤقتًا، ريثما تتضح ملامح النظام الإقليمي القادم.

وفي خلفية هذا المشهد، يطلّ دونالد ترامب – العائد بقوة إلى المشهد الدولي – متبنياً رؤية واضحة لما يسميه “الشرق الأوسط الجديد”، رؤية لا مكان فيها لمحاور أو مقاومات أو حتى سيادات وطنية كاملة، بل منظومة أمنية – اقتصادية تُدار من واشنطن وتقوم على قاعدة التطبيع الكامل والاصطفاف ضد إيران.

إنها مرحلة المخاض الصعب، حيث تتهاوى الرموز وتتبدّل الخرائط، ويُعاد ترتيب الأولويات من جديد، ليولد شرق أوسط جديد على أنقاض الطوفان، لكن وفق المقاييس الأميركية هذه المرة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى