
كالطاووس وقف على منصة الكنيست الإسرائيلي وفي مؤتمر شرم الشيخ
يفرد ريشه، يتباهى ويتبختر أمام عدد من القادة والمسؤولين في هذا العالم، يتقرّبون منه، يبتسمون، يجاملون، فيما هو يستخفّ بهذا، ويستهزئ بذاك.
الكلّ متلهّف، يطلب ودّ ورضى رسول “السلام” الكاره للحروب، والآتي من وراء المحيط ليهبط بسلام في ديار الشرق! يرى نفسه صانع “السلام”، ولم لا وهو الذي لم يلوّث يده يوماً، ولم يزجّ بنفسه في حرب الإبادة الجماعية على غزة، ولم يزوّد “إسرائيل” بالمال والسلاح، ويدعمها لوجستياً، واستخبارياً، وعسكرياً، ودبلوماسياً، وسياسياً، ومالياً، وإعلامياً!
رجل “السلام” لم يعطل بالفيتو الأميركي مشاريع قرارات عادلة لمجلس الأمن، التي تهدف إلى وقف إطلاق النار، والاعتراف بالدولة الفلسطينية!
كان على رسول “السلام” أن ينتظر حتى يرى بأمّ عينيه قطاع غزة أرضاً محروقة، مبللة بدماء أكثر من 220 ألف شهيد وجريح، وتشريد مليون وتسعمئة ألف إنسان في العراء، حتى تدبّ “النخوة” فيه، ويستيقظ “ضميره” ليتخذ بعد ذلك قراره بوقف إطلاق النار!
هو رجل “السلام الترامبي” الذي أدان قضاة محكمة الجنايات الدولية الذين وثقوا جرائم “إسرائيل” ضدّ الإنسانية،
وأصدروا بموجبها حكمهم التاريخي بملاحقة مجرمي الحرب وعلى رأسهم نتنياهو، لارتكابهم جرائم ضدّ الإنسانية بحق سكان غزة، فيما رسول “السلام” يأبى الاعتراف حتى الآن، بالإبادة والجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال بحق الفلسطينيين التي هزّت وأيقظت ضمير العالم بأسره!
داعية “السلام” البعيد كلّ البعد عن الحروب، والمتصدي لها، لم ينخرط يوماً في الحرب الدائرة في أوكرانيا، ولم يؤجّج نارها،
ولم يشنّ حربه المفاجئة على إيران قبل يومين من استئناف المفاوضات النووية مع الجانب الأميركي، وهو الذي انسحب فجأة من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018 بعد سريانه بشكل طبيعي لمدة ثلاث سنوات منذ توقيعه عام 2015.
اتفاق أنهى مشكلة دولية متفجرة، ليأتي بعد ذلك انسحاب رسول “السلام” منه ليقوّض الاتفاق من أساسه،
ويشرع الأبواب أمام تصعيد خطير يهدّد الأمن والاستقرار والسلام في منطقة غربي آسيا.
بطل “السلام” أطاح بالقرارات الأممية، ومبادئ الأمم المتحدة، والمجتمع الدولي،
عندما اعترف بسيادة “إسرائيل” على الجولان العربي السوري الذي احتلته، واعترف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، ونقل سفارة بلده إليها خلافاً للقرار الدولي عام 1948 في هذا الشأن!
رسول السلام الذي لا تثيره الاعتداءات المتواصلة لجيش الاحتلال “الإسرائيلي” على لبنان،
ويغضّ بصره عن جرائمه اليومية في قتل المدنيين، وتدمير البنى التحتية، ولا يبالي بتوسع “إسرائيل”، واحتلالها للمزيد من الأراضي اللبنانية والسورية.
رسول “السلام” الذي فرض العقوبات الظالمة على سورية، ولبنان، وإيران، وروسيا، واليمن وغيره،
والتي طالت بالصميم حياة ومعيشة شعوبها، يضاهي بـ “إنسانيته” و”سلوكه”، و”ضميره” الحي، و”نبله”، إنسانية وضمير المهاتما غاندي، وداغ همرشولد، والأمّ تريزا، ومارتن لوثر كينغ، ونيلسون مانديلا الذين استحقوا عن جدارة جائزة نوبل للسلام!
رسول “السلام” هذا، وضع نفسه في خدمة السلام العالمي، وعززه من خلال الاستمرار في محاصرة كوبا، وفنزويلا، وكوريا الشمالية، وإيران، وروسيا، واليمن، وسورية،
وشنّ حرب اقتصادية ومالية على الدول في كلّ اتجاه، وفرض العقوبات الأميركية الأحادية الجانب التي ألزم بها دول العالم، وأجبرها على التقيد بتنفيذ مضامينها بالتهديد والوعيد والابتزاز!
رسول “السلام” الذي ركض وراء جائزة نوبل متلهّفاً للحصول عليها بطريقة وضيعة رخيصة، لا تليق برئيس دولة عظمى.
إذ لم تشهد لجان جائزة نوبل منذ تأسيسها وحتى اليوم شخصاً نرجسياً يروّج لنفسه، ويدّعي أنه الوحيد الذي يستحق الجائزة، ولا أحد غيره، بحجة أنه أوقف ثماني حروب خلال ثمانية أشهر (!) لذلك طالب اللجنة علانية، وبثقة مفرطة، لمنحه الجائزة، مستبقاً قرار لجنة الجائزة، بعيداً عن الأصول، والأعراف، والالتزام بالمعايير الأخلاقية التي تشدّد وتحرص عليها لجنة نوبل وتأخذ بها، فيما هو يستبق حكمها، ويعتبر نفسه الأولى بنيل جائزة نوبل للسلام!
رسول “السلام”، كان وراء استخدام القوة لتحقيق “السلام” عملاً بمفهومه الخاص، أيّ عن طريق الحرب والعنف، والقتل والتدمير،
فكان شريكاً رئيساً في حصار دول وتفكيكها، وتجويع شعوبها، وفرض العقوبات عليها، وقتل عشرات الآلاف من الضحايا، والوقوف إلى جانب دولة الاحتلال ضارباً بعرض الحائط ميثاق الأمم المتحدة وقراراتها الأممية وقوانينها الدولية، وبعد كلّ ذلك يطلّ داعية “السلام” على العالم، ليفرغ ما في جعبته من ترّهات، ومواعظ، ودروس، وادّعاءات، وبطولات فارغة، ليست إلا صورة حية، وانعكاساً جلياً لسلوك مستبدّ متجذّر موروث، عرفه العالم في زمن الكاوبوي الأميركي!
وحدهم الحمقى في هذا المشرق الذين يراهنون على مشعلي الحروب، ومثيري الفوضى، ومرتكبي المجازر، والمشاركين في جرائم الإبادة والقتل الجماعيّ، وإذلال الشعوب،
ينتظرون منهم وهماً، تحقيق السلام القائم على الحق والعدل، والحصول على الترياق الأميركي ـ الإسرائيلي، ليشفي بلدانهم وينعشها، إذ لن يلقوا من هذا الترياق إلا السمّ، وعلقم الحنظل، والأيام بيننا…!