العالم العربيملفات وتقارير

الانتخابات البلدية الليبية.. مؤشر جديد على استعادة المسار الديمقراطي رغم الانقسام

مع إعلان المفوضية الوطنية العليا للانتخابات انتهاء عملية الاقتراع في 16 مجلسًا بلديًا ضمن المرحلة الثالثة من انتخابات البلديات بنسبة مشاركة بلغت 68%، تدخل ليبيا مرحلة جديدة من الاختبار الديمقراطي المحلي، في ظل بيئة سياسية منقسمة، وصراع طويل على الشرعية والمشروعية بين حكومتين تتقاسمان السلطة والمناطق.

الانتخابات المحلية.. عودة إلى المسار المؤسسي

تعد هذه الانتخابات أول مؤشر فعلي على قدرة الدولة الليبية على إدارة استحقاق انتخابي واسع دون انهيار أمني أو فوضى تنظيمية، وهو ما أكدت عليه المفوضية في بيانها الذي وصف العملية بأنها “منظمة وآمنة”.
فقد تمكن أكثر من 63 ألف ناخب من الإدلاء بأصواتهم، بينما أظهرت نسبة المشاركة المرتفعة نسبيًا (68%) رغبة المواطنين في استعادة أدوات الحكم المحلي بعد سنوات من الجمود.

وتبرز هنا أهمية المرحلة الثالثة، إذ شملت بلديات موزعة جغرافيًا بين الشرق والغرب والجنوب، وهو ما يمنح العملية بعدًا وطنيًا شاملًا يعزز الثقة في المفوضية كجسم فني مستقل.

البلديات المؤجلة.. اختبار للبيئة الأمنية

المرحلة الحالية تضمنت بلديات كان تأجل انتخابها لأسباب أمنية في أغسطس الماضي، ما يجعل نجاح الاقتراع فيها مؤشرًا على تحسّن الوضع الأمني النسبي وقدرة السلطات المحلية على تأمين مراكز التصويت.
كما أن المفوضية أدرجت هذه البلديات ضمن جدول “المجموعة الثالثة”، تمهيدًا لاستكمال الانتخابات في 12 بلدية أخرى الاثنين المقبل، قبل الانتقال إلى المرحلة النهائية التي ستغطي 24 بلدية متبقية.

هذا التدرج في تنظيم الانتخابات يعكس مقاربة واقعية تراعي التفاوت في جاهزية المناطق، وتجنب البلاد سيناريوهات الإلغاء أو الفوضى.

رسائل سياسية من طرابلس إلى المجتمع الدولي

رحّب رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة بنتائج العملية، معتبرًا أن “الصندوق ذاته، والناخب ذاته، والمفوضية ذاتها” التي نجحت في الانتخابات البلدية يمكنها إدارة الانتخابات الوطنية البرلمانية والرئاسية دون الحاجة إلى مرحلة انتقالية جديدة.

بهذه الرسالة، يسعى الدبيبة إلى تحويل الزخم المحلي إلى ورقة ضغط سياسية في مواجهة خصومه في الشرق، مؤكدًا أن الظروف باتت مهيأة لإجراء انتخابات وطنية شاملة، وأن أي دعوات لمرحلة انتقالية أخرى ليست إلا محاولة “لعرقلة المسار الديمقراطي”.

موقف الأمم المتحدة: دعم المسار المحلي

في المقابل، رحّبت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا باستئناف العملية الانتخابية، معتبرة أن نجاحها “يسهم في استعادة شرعية مؤسسات الحكم المحلي”، ويعزز الثقة في إمكانية إجراء انتخابات عامة قريبة.
وتحاول البعثة الأممية البناء على الزخم المحلي كمدخل لإحياء العملية السياسية المتعثرة منذ فشل محاولات توحيد المسار الانتخابي أواخر عام 2021.

انقسام مستمر.. وأمل بانتقال سلس

رغم هذا التقدم، يبقى الانقسام المؤسسي بين حكومتي طرابلس وبنغازي عقبة رئيسية أمام أي مسار وطني شامل.
ففي حين تُدار العملية الانتخابية بإشراف المفوضية من العاصمة، تسيطر حكومة أسامة حماد على مناطق واسعة في الشرق والجنوب، ما يعني أن توحيد الإرادة السياسية لا يزال غائبًا، حتى وإن تحقق قدر من التنسيق الفني الميداني.

الانتخابات البلدية الليبية، رغم محدودية نطاقها، تمثل نقطة ضوء في مسار معقد. فهي تعكس قدرة المجتمع الليبي على التفاعل مع العملية الديمقراطية عندما تتوفر الظروف الأمنية والإدارية، كما تعيد الثقة في المفوضية الوطنية كهيئة قادرة على إدارة الاستحقاقات الكبرى.

لكن نجاح هذه التجربة المحلية لن يتحول إلى إنجاز وطني شامل إلا إذا أعقبته إرادة سياسية موحّدة، تُنهي حالة الازدواج الحكومي، وتطلق انتخابات رئاسية وبرلمانية حقيقية تضع حدًا لسنوات الانقسام والصراع على الشرعية.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى