جولة كامالا هاريس تتحول إلى بروفة انتخابية مبكرة وسط انقسام ديمقراطي حول حرب غزة

العنوان المقترح:
في مشهد سياسي أمريكي يزداد تعقيدًا، تحولت جولة كامالا هاريس الترويجية لكتابها الجديد «107 أيام» إلى ما يشبه البروفة الانتخابية المبكرة، وسط انقسامات حادة داخل الحزب الديمقراطي بشأن الحرب على غزة، وتكهنات متزايدة حول نواياها للترشح في انتخابات الرئاسة عام 2028.
ورغم أن الكتاب يروي تجربتها القصيرة في السباق الرئاسي السابق، فإن توقيت الجولة ورسائلها الضمنية وتفاعل الجمهور معها، تعكس جميعها محاولة لإعادة تقديم نفسها سياسيًا في لحظة يواجه فيها الحزب الديمقراطي اختبارًا أخلاقيًا وسياسيًا غير مسبوق.
إعادة صياغة السردية السياسية
يقول الخبير في الشأن الأمريكي أسامة أبو إرشيد إن هاريس لا تكتفي بسرد تجربتها التي امتدت 107 أيام، بل تعيد صياغة سرديتها السياسية لتظهر بمظهر “الأكثر تأهيلًا”، كما وصفت نفسها.
وأضاف أبو إرشيد في حديثه أن الجولة تمثل أيضًا محاولة لإعادة رسم علاقتها بالرئيس جو بايدن بعد اتهاماتٍ بأنها كانت على علم بتراجع قدراته الذهنية ولم تفصح عن ذلك، مشيرًا إلى أن تفاعل الجمهور خلال جولاتها يُستخدم كأداة لقياس المزاج الشعبي داخل الحزب، واستطلاع توقعات الناخبين حيال سياساتها المحتملة.
ويعتبر أبو إرشيد أن هذه التحركات تمثل بداية مسار فكري جديد تستعد من خلاله هاريس لخوض غمار الاستحقاق الانتخابي المقبل.
ملف غزة.. التحدي الأكبر لهاريس
وفيما يخص القضية الفلسطينية، يرى أبو إرشيد أن التحولات داخل الحزب الديمقراطي باتت ملموسة، إذ تشير استطلاعات الرأي إلى تعاطف متزايد مع الفلسطينيين، ما يجعل من ملف غزة تحديًا لأي مرشح ديمقراطي، خصوصًا لهاريس التي كانت في موقع نائب الرئيس خلال الحرب الأخيرة.
ورغم هذا التحول الشعبي، لا تزال هاريس تتجنب توصيف ما جرى في غزة بـ«الإبادة الجماعية»، رغم أن غالبية قواعد الحزب باتت تعتبرها كذلك، ما يفتح الباب أمام احتمال تعديل خطابها مستقبلًا لتتماشى مع المزاج العام المتغير.
جولة بطابع انتخابي مبكر
من جانبه، يرى الخبير الأمريكي توفيق طعمة أن جولة هاريس لا يمكن فصلها عن الحسابات السياسية المبكرة داخل الحزب الديمقراطي.
ويشير إلى أن المدن التي تزورها، ونوعية الجمهور الذي تخاطبه، واللغة التي تستخدمها، كلها تعكس ملامح حملة انتخابية فعلية نحو 2028، أكثر منها جولة ترويجية لكتاب.
وأضاف طعمة أن هاريس تسعى من خلال الجولة إلى إعادة تقديم نفسها بعد فترة باهتة في منصب نائب الرئيس، واختبار الشارع الديمقراطي الحقيقي خارج استطلاعات الرأي لمعرفة مدى استمرار جاذبيتها السياسية بعد تجربة إدارة بايدن.
احتجاجات مؤيدة لفلسطين ترافق الجولة
وأوضح طعمة أن جولة هاريس لم تخلُ من التوتر، إذ رافقتها احتجاجات مؤيدة لفلسطين في معظم المحطات، ما يعكس الانقسام المتزايد داخل الحزب الديمقراطي حول الموقف من إسرائيل والحرب على غزة.
وأكد أن الجناح التقدمي داخل الحزب يطالب بوقف الحرب وإعادة النظر في الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل، بينما يتمسك الجناح التقليدي بخطاب “الدفاع عن إسرائيل”، ما يجعل هذه الاحتجاجات تعبيرًا عن تحول ثقافي وسياسي عميق داخل القواعد الشابة للحزب التي لم تعد ترى في إسرائيل “حليفًا ديمقراطيًا”، بل طرفًا مسؤولًا عن مجازر غزة.
كتاب يكشف التوتر داخل البيت الأبيض
ويشير طعمة إلى أن كتاب “107 أيام”، الذي صدر في 23 سبتمبر الماضي، يكشف جانبًا من الخلافات الداخلية بين هاريس وبايدن بشأن العدوان الإسرائيلي على غزة.
وتتحدث هاريس في الكتاب عن توتر داخل البيت الأبيض بسبب تعاطي الإدارة الأمريكية مع الحرب، قائلة إن بايدن كان قادرًا على إعلان نفسه “صهيونيًا” بصوت مرتفع، لكنه لم يُظهر نفس الحماس تجاه معاناة المدنيين الفلسطينيين.
وأضافت: “ناشدت جو أن يمتد تعاطفه مع الأوكرانيين ليشمل الأبرياء في غزة، لكنه لم يستطع فعل ذلك.”
ويكشف الكتاب أيضًا عن خطاب ألقته هاريس في مارس 2024 دعت فيه إلى وقف إطلاق النار، ووصفت الوضع في غزة بأنه “أزمة إنسانية”، وهو ما أثار توترًا داخل الإدارة الأمريكية.
ورغم انتقادها بعض ممارسات حكومة نتنياهو، فإنها أشادت بعمليات إسرائيلية استهدفت قيادات في “حماس”، معتبرة أن إسرائيل كانت “محقة في الرد على فظائع 7 أكتوبر”.
كما اعترفت بندمها على دعمها السابق لموقف بايدن، مشيرة إلى أن ذلك كلّفها خسارة ولاية ميشيغان، وكشفت عن رفضها ظهور أقارب ضحايا غزة من الأميركيين الفلسطينيين على منصة الحزب الديمقراطي، في لحظة وصفتها بأنها “تعكس الارتباك الأخلاقي داخل القيادة الديمقراطية.”
يرى مراقبون أن جولة هاريس، وإن كانت تحت عنوان ثقافي، فإنها تحولت إلى اختبار سياسي حقيقي لقدرتها على الموازنة بين جناحين متناقضين داخل الحزب الديمقراطي، ولمدى استعداد الحزب نفسه لإعادة تعريف أولوياته الأخلاقية والسياسية، في ظل ضغط شعبي متصاعد، ومشهد دولي تتزايد فيه كلفة الصمت تجاه ما يجري في غزة.