لماذا تستثمر السعودية بقوة في سوريا بعد سقوط الأسد؟

تتجه المملكة العربية السعودية بخطوات واسعة نحو تعزيز حضورها الاقتصادي والسياسي في سوريا، بعد انهيار نظام بشار الأسد وصعود حكومة انتقالية جديدة برئاسة أحمد الشرع.
ويرى محللون أن الرياض تستخدم القوة الناعمة والاستثمارات الاقتصادية كأداة استراتيجية لتثبيت نفوذها في بلاد الشام، وملء الفراغ الذي خلّفه تراجع الدور الإيراني بعد سقوط النظام السابق.
استثمار بنكهة سياسية
بحسب تقرير حديث، قادت السعودية جهودًا اقتصادية بارزة تمثلت في الدعوة لتخفيف العقوبات عن دمشق، وإنشاء مجلس أعمال سعودي–سوري، والاستثمار في مشاريع البنية التحتية والطاقة والاتصالات.
وفي يوليو/تموز الماضي، أعلن وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح عن صفقات بقيمة 6.4 مليار دولار تشمل العقارات والبناء والاتصالات، في إطار خطة لإحياء الاقتصاد السوري.
وترى المملكة أن هذا التوجه ليس فقط لإنعاش سوريا، بل أيضًا لضمان نفوذها الإقليمي ومنع القوى المنافسة — خصوصًا إيران وتركيا وقطر — من احتكار التأثير في الساحة السورية.
من الحرب إلى إعادة الإعمار
قدّرت دراسات دولية تكلفة إعادة إعمار سوريا بين 250 و400 مليار دولار، وهو عبء يفوق قدرات الحكومة السورية الحالية، ما جعل الاستثمار الأجنبي أولوية وطنية.
وتُعد السعودية أحد أبرز الممولين المحتملين، إذ تمتلك القدرة المالية والخبرة اللوجستية في إعادة البناء، خاصة عبر استثماراتها في صناعة الأسمنت والخرسانة التي تُعد العمود الفقري لجهود الإعمار.
كما تعهدت الرياض وقطر بدفع رواتب الموظفين الحكوميين السوريين وسداد ديون دمشق للبنك الدولي البالغة 15.5 مليون دولار، في إشارة إلى رغبة خليجية في دعم الاستقرار الاقتصادي والسياسي للحكومة الانتقالية.
مواجهة النفوذ الإيراني ومنع عودة الكبتاغون
تضع السعودية ضمن أولوياتها في سوريا تحجيم النفوذ الإيراني ومنع عودة إنتاج المخدرات غير المشروعة (الكبتاغون)، الذي كان أحد مصادر تمويل النظام السابق.
فمع تراجع دعم طهران وانهيار شبكاتها، ترى الرياض أن سوريا الجديدة تمثل فرصة تاريخية لإعادة التوازن الإقليمي.
كما تسعى المملكة إلى حماية أسواقها الداخلية من أزمة الكبتاغون التي تفاقمت خلال الحرب السورية، عبر دعم اقتصاد شرعي مستقر يُغني دمشق عن اللجوء للأسواق السوداء.
دروس من العراق واليمن
يُشير التقرير إلى أن السعودية تعلمت من تجربتها السابقة في العراق واليمن، حين تركت فراغات ملأتها إيران.
واليوم، تتبنى الرياض نهجًا استثماريًا استباقيًا أكثر شجاعة في سوريا، متقبلةً للمخاطر السياسية والأمنية، لتجنّب تكرار تلك الأخطاء، ولضمان موقع مؤثر في مرحلة ما بعد الأسد.
مستقبل النفوذ السعودي في دمشق
رغم استمرار التحديات الأمنية في مناطق خارج سيطرة الحكومة السورية، يرى مراقبون أن السعودية لن تتراجع عن استراتيجيتها إلا في حال وقوع أحداث كبرى، مثل انهيار الحكومة الانتقالية أو تصاعد صراع داخلي واسع.
لكن مع تزايد حجم الاستثمارات الخليجية والدولية، فإن الاستقرار الاقتصادي النسبي سيُعزز قوة الحكومة المركزية، ويمنح الرياض دورًا محوريًا في رسم ملامح سوريا الجديدة.