مقالات وآراء

مي عزام تكتب: مغامرة الكتابة في زمن التحول

(1) الانتماء حيث ننمو

لطالما أعجبتُ بتعريف المفكر الدكتور زكى نجيب محمود البسيط العميق للانتماء: «الإنسان ينتمى إلى حيث ينمو».

فالتربة التى لا تسمح لنا بالنمو، لا ينتمى إليها أحد.

كانت بدايتى الصحفية فى مؤسسة «أخبار اليوم» العريقة، حيث عملت وسط نجوم الصحافة اللامعين، بدءاً من أستاذى مصطفى أمين، مروراً بالأساتذة: إبراهيم سعده، كمال عبد الرؤوف، محمد تبارك، عبد الفتاح الديب، منير نصيف، نبيل زكى، عصام بصيلة، محمد بركات، نبيل أباظة، نوال مصطفى ومحمود صلاح وغيرهم.

لكننى أعتبر أن «المصرى اليوم» هى الجريدة التى أنتمى إليها حقاً، لأنها كانت التربة الخصبة التى سمحت لى بالنمو والازدهار، وشهدت خلال سنوات عملى بها تحولات مهنية عميقة ونضجاً فى أسلوبى فى التفكير والتعبير.

(2) رحلة الابتعاد والرؤية الجديدة

توقفت عن الكتابة فى «المصرى اليوم» منذ أربع سنوات، وتحديداً فى يناير 2021. خلال هذه السنوات، اتخذت كتاباتى منحىً آخر، فأصبحت أكثر اهتماماً بالسياسة الدولية.

هذا المجال منحنى أفقاً أوسع وأكثر انفتاحاً، وأدركتُ أن العلاقات بين الدول لا تحكمها صداقة دائمة ولا عداء مستمر، بل تحددها المصالح المشتركة والاحترام المتبادل وقبول الاختلاف.

وهذه الحقيقة لا تنطبق على الدول فحسب، بل على الأفراد والجماعات والمجتمعات أيضاً.

تغيرت الكثير من الأشياء فى رؤيتى لنفسى وللدوائر المحيطة بى، فسلوك الإنسان وردود أفعاله هو فى النهاية محصلة تفاعله مع هذه الدوائر التى يؤثر فيها وتؤثر فيه.

(3) تحدى العصر

فى السنوات الماضية، ازداد تأثير منصات التواصل الاجتماعى بشكل هائل، وأصبح لها نجومها الذين يتزايد عدد متابعيهم يوماً بعد يوم، ويتعاظم تأثيرهم رغم أن كثيرين منهم لا يقدمون محتوى ذا قيمة حقيقية أو معلومات دقيقة أو معارف جديدة، بل مجرد مساحات بصرية لقتل وقت الفراغ والتسلية.

أتوقع أنه مع التوسع فى استخدام الذكاء الاصطناعى، سنتحول كلياً إلى العالم الافتراضى، وكأننا داخل حلم من أحلام فيلم «Inception»، عالم داخل عالم داخل عالم.

قد نودع مع الأيام عالمنا الحقيقى لنتماهى مع تلك التجربة المذهلة والمرعبة فى آن واحد.

فى خضم هذه العاصفة الهوجاء، تساءلت: ماذا سيتبقى لنا، نحن الكتّاب، الذين يواجهون هذه الثورة بقلم وورقة؟

سيلجأ جيل الشباب عاجلاً أم آجلاً إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعى ليجد إجابة عن كل الأسئلة التى تدور فى خلده، ويطلب منها العون فى كل تفاصيل حياته.

لم نعد بعيدين عن عصر الفيلم الأمريكى «Her»، حيث تصبح صداقة شخصية افتراضية تتمتع بأعلى درجات الذكاء الاصطناعى أكثر شيوعاً وراحة من معاشرة بنى آدم، فهى مبرمجة على تقديم المساعدة دون منغصات أو مطالبة بحقوق.

كما سيتمكن الكثيرون من كتابة مقالات رصينة بمساعدة الذكاء الاصطناعى فى أى موضوع، ليصبح المقال جاهزاً خلال ثوان، على أعلى مستوى من الدقة، ومشفوعاً بمعلومات من مصادر مختلفة ومحايدة. إذن، ما أهمية الكاتب بعد هذا كله؟

(4) تميز الكاتب: الصدق والإنسانية

أعتقد أن أهمية الكاتب ستتحدد بمدى صدقه وإنسانيته، وقدرته على استخدام معارفه ومعلوماته بعد مزجها بروحه ورؤيته الخاصة، التى تشكلت نتيجة تجاربه الإنسانية وخبرته الحياتية وتواصله مع الناس، وإدراكه لمشاعرهم وآمالهم وآلامهم.

هذا هو ما تبقى لنا ككتاب، وما يجب أن نتمسك به ونجتهد فى الحفاظ عليه: أن نكون حقيقيين، وصادقين، ومرهفى الحس وعلى تواصل دائما مع واقعنا الحقيقى.

حين ابتعدت عن «المصرى اليوم» فى 2021، لم أندم، لأننى أؤمن بفلسفة المسافات؛ ففى كثير من الأحيان، يحافظ البعد على جسور الود والتقدير، ويكون الخيار السليم.

وعندما طُلب منى العودة للكتابة، تمهلت وأخذ الأمر منى فترة طويلة لأحسم قرارى، ثم توكلت على الله… علينا السعى وعلى الله التوفيق.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى