
تكتسب الجولة التي يبدأها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الكويت وقطر وسلطنة عُمان بين 21 و23 أكتوبر الجاري أهمية استثنائية، ليس فقط لأنها تأتي في مرحلة إقليمية دقيقة، بل لأنها تمثل تحركًا تركيًا مدروسًا لإعادة صياغة العلاقات مع الخليج ضمن رؤية أكثر هدوءًا وتوازناً.
إنها زيارة في توقيت حساس، حيث تأتي في ظل تحولات متسارعة تشهدها المنطقة:
جهود دولية وعربية متواصلة لوقف إطلاق النار في غزة وتخفيف معاناة المدنيين.
واقع اقتصادي عالمي معقد يتطلب تنويع الشراكات وتعميق التعاون الإقليمي.
سعي الدول المتوسطة إلى صياغة توازنات جديدة تحفظ الاستقرار وتمنع عودة الاستقطاب القديم.
في هذا السياق، تبدو أنقرة حريصة على تأكيد شراكتها الخليجية واستعادة حضورها السياسي والاقتصادي عبر أدوات ناعمة تقوم على الحوار والمصالح المشتركة
فماذا تحمل أجندة التعاون المشترك؟
الرئاسة التركية أوضحت أن الجولة تهدف إلى:
تعزيز التعاون في مجالات الاستثمار، والطاقة، والدفاع، والبنية التحتية.
مناقشة القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدمتها الوضع الإنساني في غزة.
تطوير الأطر الاقتصادية لتسهيل حركة التجارة والاستثمار المتبادل بين تركيا ودول الخليج.
وتُشير الأوساط الدبلوماسية في أنقرة إلى أن الرئيس أردوغان يسعى إلى مأسسة العلاقات الخليجية– التركية في إطارٍ أكثر استقراراً وتنسيقاً.
”أبعاد الزيارة”
1- البعد السياسي السياسي والإقليمي:
من الواضح أن تركيا، التي انتهجت خلال السنوات الأخيرة سياسة أكثر انفتاحاً على جوارها العربي، ترى في الخليج الركيزة المركزية لبناء علاقاتها المستقبلية في المنطقة.
فهي تدرك أن الاستقرار الإقليمي لا يمكن أن يتحقق دون تكامل عربي – تركي يستند إلى الثقة والاحترام المتبادل.
وفي هذا الإطار، تمثل الكويت وقطر وسلطنة عُمان ثلاث بوابات مختلفة للتعاون:
الكويت: سياسة معتدلة وحكمة دبلوماسية، تُتيح فرصًا لتعزيز الاستثمارات.
قطر: شريك استراتيجي في ملفات الطاقة والإغاثة والعمل الإنساني في غزة.
سلطنة عُمان: قناة للحوار الهادئ والتفاهم الإقليمي في القضايا الحساسة.
2- الأبعاد الاقتصادية والاستثمارية:
يُنتظر أن تشهد الجولة توقيع مذكرات تفاهم لتعزيز الاستثمارات المتبادلة، خصوصاً في مجالات الدفاع والطاقة والنقل والخدمات اللوجستية، وهي مجالات تشكّل جسور تواصل استراتيجي طويل الأمد بين تركيا والخليج.
كما تحرص أنقرة على تشجيع القطاع الخاص التركي للدخول في شراكات تنموية داخل الخليج، في حين تسعى دول الخليج إلى الاستفادة من الخبرة التركية في البنية التحتية والصناعات الدفاعية.
3- التقارب الإنساني والدبلوماسية الهادئة:
يتصدر الملف الإنساني في غزة جانباً مهماً من الجولة، حيث تتلاقى الرؤية التركية والخليجية في الدعوة إلى وقف إطلاق النار، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، والعمل من أجل إعادة الإعمار.
وإلى جانب القضايا السياسية، تحمل الزيارة طابعاً إنسانياً وأخلاقياً يعكس التقاء القيم الإسلامية في نصرة المظلومين وتخفيف معاناة الشعوب.
”قراءة استراتيجية– تركيا بين الواقعية والمبادرة”
تسعى تركيا اليوم إلى تثبيت نهجها الجديد في السياسة الخارجية القائم على الواقعية والتوازن بعد عقدٍ من التوترات في الإقليم.
فهي تتحرك بخطوات محسوبة تجمع بين اللغة الدبلوماسية الهادئة والفاعلية السياسية والاقتصادية، محاولةً إعادة تعريف دورها كـ”جسر تواصل” بين الشرق والشرق، لا كمنافس أو خصم.
في المقابل، تنظر العواصم الخليجية بإيجابية إلى عودة تركيا إلى الدبلوماسية المتوازنة، وهو ما قد يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الاستقرار والشراكة متعددة الأبعاد.
ختاماً: تركيا تتجه– نحو شراكة أكثر عمقاً. في المحصلة، يمكن القول إن زيارة الرئيس أردوغان إلى الخليج هي رسالة صداقة وثقة أكثر منها تحركاً سياسياً آنياً.
إنها خطوة نحو بناء فضاء إقليمي يقوم على:
- التكامل الاقتصادي.
- التفاهم السياسي.
- الدعم الإنساني المشترك.
وإذا ما نجحت الجولة في تحقيق أهدافها، فسيكون الخليج أمام مرحلة جديدة من الشراكة الهادئة مع تركيا، عنوانها: الاحترام، المصالح المشتركة، ودبلوماسية التوازن.