
استبعاد المهندس هيثم الحريري من الترشح لانتخابات مجلس النواب لم يكن حدثًا عابرًا في مسار العملية الانتخابية، بل مؤشرًا واضحًا على الطريقة التي تتعامل بها السلطة مع القانون حين يتعارض مع رغبتها السياسية.
فالقرار الذي استند – شكليًا – إلى تفسير قانوني، جاء في جوهره كاشفًا عن تغليب الهوى على النص، وعن إرادة مبيّتة لإقصاء أحد أبرز الأصوات المستقلة في الحياة العامة المصرية.
هيثم الحريري، الذي عرفه الناس نائبًا صريحًا وجريئًا في طرحه، لم يكن خصمًا للدولة ولا عدوًا لمؤسساتها، بل كان مؤمنًا بفكرة الدولة المدنية القائمة على سيادة القانون والمساءلة.
غير أن هناك من وجد في وجوده تهديدًا . فجاء القرار باستبعاده ليعبّر عن هذا المنطق أكثر مما يعبر عن تطبيق للقانون.
الأساس القانوني الذي استندت إليه لجنة الانتخابات في قرارها لم يكن واضحًا أو مقنعًا.
فالتفسير الذي طُرح للنصوص المنظمة للترشح بدا انتقائيًا، متعسفًا، ومخالفًا للمبادئ المستقرة في الفقه والقضاء الإداري، والتي تقضي بأن الحق في الترشح حق دستوري أصيل لا يجوز الحد منه إلا بنص صريح وواضح لا يحتمل التأويل، وأن أي غموض في النص يجب أن يُفسَّر لصالح المرشح لا ضده.
لكن ما جرى هو العكس تمامًا، إذ جرى توسيع القيود وتضييق الحقوق، وكأن المقصود هو إيجاد سبب للاستبعاد لا تطبيق القانون بعدل وتجرد.
مثل هذه القرارات لا تمس شخصًا بعينه، بل تمس جوهر العملية الديمقراطية برمتها.
فهي توجه رسالة صريحة بأن باب المشاركة السياسية مفتوح شكلاً ومغلق مضمونًا، وأن من يخرج عن الصف لا مكان له في المشهد.
وبهذا يتحول البرلمان من ساحة تنوع وتمثيل حقيقي للشعب إلى قاعة ترديد لصوت واحد.
إن خطورة ما حدث لا تكمن فقط في حرمان مواطن من حقه الدستوري في الترشح، بل في إفراغ فكرة الانتخابات ذاتها من معناها.
فحين تصبح النصوص القانونية مجرد أدوات تُستخدم وفق المصلحة، يفقد القانون قدسيته، وتفقد الدولة توازنها بين السلطة والعدالة.
وما بين التفسير الخاطئ للنص والهوى السياسي في التطبيق، تضيع العدالة، ويغيب الإحساس بأن القانون يقف على مسافة واحدة من الجميع.
قد يختلف الناس في تقييم تجربة هيثم الحريري السياسية، لكن أحدًا لا يستطيع أن ينكر نزاهته واستقلاله، ولا أن يتجاهل رمزية ما جرى معه بوصفه تعبيرًا عن نهجٍ يضيق بالاختلاف ولا يحتمل المعارضة.
فالمسألة هنا ليست قانونًا يُطبّق، بل إرادة تُفرَض.
وفي النهاية، سيبقى التاريخ أصدق من القرارات الرسمية. سيسجل أن استبعاد هيثم الحريري لم يكن استنادًا إلى نص في قانون، بل إلى هوي، وأن القانون، الذي يفترض أن يكون درعًا يحمي الحقوق، قد جرى استخدامه كسيفٍ لإقصاء من يختلفون.
وما دام الهوى هو الحاكم، فلن يكون هناك معنى حقيقي للعدالة، ولا أمل في حياة سياسية تقوم على التعدد والمنافسة الشريفة.







