شباك نورمقالات وآراء

د. أيمن نور يكتب : متى يَحمَرُّ وجهُ جريدةِ الدستور؟

قرأت منذ ساعاتٍ منشورًا للزميل الكبير علي القماش، يعرض فيه صفحةً أولى من جريدة الدستور، تتصدّرها صورٌ كثيرة لشخصياتٍ مصريةٍ عامة، من كل التيارات، تحت عنوانٍ أحمرَ عريضٍ يمتد على سبعة أعمدة يقول: «كلهم إخوان».

توقّفت طويلًا أمام الصورة، لا لأنني كنت أولَ وجهٍ فيها، بل لأنني وجدت نفسي في لوحةٍ تضم أسماءً أعتز بها، من أمثال د. عزمي بشارة، د. حسن نافعة، د. ممدوح حمزة، د. عمار علي حسن، المستشار هشام جنينة، عبد الناصر سلامة، سليم عزوز، بلال فضل، علاء الأسواني، خالد داوود، حافظ الميرازي، خالد أبو النجا، هشام عبد الله، محمد شومان، هشام عبد الحميد، وغيرهم من رموز الوعي والاختلاف.

لم أكن أعرف متى نُشرت تلك الصفحة، لكنّني أعرف يقينًا أنّني أراها للمرة الأولى، وأعرف أكثر أنَّ السؤال الذي قفز إلى ذهني لم يكن عن التاريخ بل عن الضمير:
متى يَحمَرُّ وجهُ الدستور خجلًا من هذا الكذب الفجّ؟
متى يعود لتلك الصحيفة لون الخجل الإنساني حين تغيب عنها الحقيقة عمدًا؟

ليس في الذاكرة المهنية ولا في التاريخ السياسي أنّ كل هؤلاء يمكن أن يُجمعوا على لونٍ أو انتماءٍ واحد.
فالطيف الذي ضمّهم يمتد من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ومن الليبرالي إلى القومي، ومن المستقل إلى الحالم بمصرٍ جديدةٍ لا يُكمَّم فيها الرأي.

كيف يمكن لعقلٍ أن يختصر هذا التنوع كله في جملةٍ واحدةٍ باردةٍ وسخيفة لأنها كاذبة:
«كلهم إخوان»؟

ذلك ليس استسهالًا فحسب، بل استهبالٌ إعلاميٌّ ممنهج، يختزل الوعي في كليشيهات الخوف، ويستبدل البحث عن الحقيقة بتوزيع الاتهامات المجانية.

إنّ سؤال الخجل في الصحافة المصرية لم يولد اليوم.
هو سؤالٌ قديمٌ ومزمن، يكشف خللًا في منظومة الوعي، حين تتحوّل المهنة التي وُجدت لتكشف الزيف إلى أداةٍ لترويجه.

فالوجه الذي لا يحمرّ حين يَكذب، وجهٌ فقد إحساسه بالإنسانية.
الاحمرار ليس مجرّد استجابةٍ فيزيولوجية، بل إشارةٌ أخلاقيةٌ تُعلن أن الضمير ما زال يتنفّس.

“حين نحمرّ خجلًا، تتحدث أجسادنا بصدقٍ لا تملكه الكلمات.”

لكن ما بالُ من لم يعد يخجل؟
ذلك الذي يظنّ أنه يملك الحقيقة لأنّه يملك المنبر، فيبرّر كل زيفٍ باسم الدفاع عن الدولة، أو الولاء للنظام، ناسياً أنَّ الولاء الحقيقي للوطن لا يكون على حساب الصدق.

حين تُفقد الصحافة وجهها الأحمر، تفقد روحها.
وحين يتساوى الكاذب مع الأمين، تصبح الحقيقة جريمةً، والضمير ترفًا.

من لا يخجل، لا يفهم أنه يعيش وسط نظرات الآخرين وأحكامهم، وأنّ الخجل هو اللغة الأولى للصدق الداخلي، والعلامة الباقية على أننا ما زلنا بشرًا.

يوم تُدرك الصحافة أنّ الخجل ليس ضعفًا، بل قُدرةٌ على مواجهة النفس، سيعود وجهها إلى لونه الطبيعي…
وسيحمرّ وجه الدستور، لا من الكذب، بل من صدقٍ تأخّر.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى