ما بعد غزة.. الشرق الأوسط أمام إعادة رسم التوازنات والتحالفات
في ظل الركام والدمار الذي خلّفته الحرب في غزة، بدأت ملامح مرحلة جديدة تتبلور في الشرق الأوسط، حيث تتحول الحرب من حدث عسكري محدود إلى منعطف سياسي واستراتيجي يعاد عنده تشكيل موازين القوى والخريطة الإقليمية برمتها.
نبيل عمرو: “القيادة الفلسطينية أمام لحظة نادرة لإعادة التموضع”
رأى الوزير الفلسطيني الأسبق نبيل عمرو أن الحرب على غزة لم تعد مواجهة بين إسرائيل وحركة حماس فقط، بل تحولت إلى اختبار للنظامين الإقليمي والدولي.
وقال إن “إسرائيل لم تعد تقاتل حماس وحدها، بل تواجه مأزقًا أخلاقيًا وسياسيًا أمام العالم”، مشيرًا إلى أن صور الدمار والضحايا “نسفت الرواية الإسرائيلية التقليدية عن الدفاع عن النفس”.
وأضاف أن المجتمع الدولي بات أمام سؤال جوهري: من يحمي المدنيين؟ ومن يضع حدًا لمنظومة الإفلات من العقاب؟، مؤكّدًا أن الانقسام الفلسطيني الداخلي أصبح العقبة الكبرى أمام أي مشروع سياسي مستقبلي.
ودعا عمرو السلطة الفلسطينية إلى استعادة زمام المبادرة قائلًا:
“إما أن نكون طرفًا فاعلًا في إعادة الإعمار والترتيبات المقبلة، أو نقصى مجددًا لصالح قوى إقليمية أخرى”.
موفق حرب: “واشنطن تواجه أصعب امتحان منذ الحرب الباردة”
من جانبه، اعتبر المحلل موفق حرب أن الولايات المتحدة تمرّ بمرحلة دقيقة، إذ تجد نفسها عالقة بين التزاماتها التاريخية تجاه إسرائيل وضغوط الرأي العام العالمي.
وأوضح أن إدارة ترامب الثانية تدرك أن استمرار الحرب يضعف صورتها كوسيط، ويقوّض أدوات نفوذها في الشرق الأوسط، لذلك تحاول صياغة معادلة جديدة تجمع بين وقف إطلاق النار وترتيبات أمنية تحول دون عودة حماس إلى الحكم، مع إطلاق خطة إعادة إعمار بإشراف أميركي – عربي مشترك.
وأشار حرب إلى أن الاعتبارات الانتخابية الداخلية تلعب دورًا في موقف البيت الأبيض، في ظل انقسام الشارع الأميركي حول السياسة الخارجية في المنطقة.
هبة القدسي: “التحول الدبلوماسي الهادئ في واشنطن”
بدورها، تحدثت هبة القدسي عن مراجعة تجريها مؤسسات القرار الأميركي لأدواتها التقليدية في الشرق الأوسط، ووصفتها بأنها “تحول دبلوماسي هادئ” يهدف إلى ترميم صورة واشنطن كقائد دولي بعد سنوات من التراجع.
وأضافت أن الولايات المتحدة لا تتحرك بدافع إنساني بحت، بل بدافع حماية مصالحها الإستراتيجية، مشيرة إلى وجود رغبة عربية متزايدة في تقليل الاعتماد على واشنطن عبر بناء شراكات متوازنة مع الصين وروسيا دون القطيعة مع الغرب.
اللواء الحمدان: “إسرائيل خسرت سياسيًا ما لم تحققه عسكريًا”
أما الخبير العسكري عبد اللطيف الحمدان، فاعتبر أن ما جرى في غزة هو إعادة صياغة كاملة لمفهوم الردع في المنطقة، مؤكداً أن الجيش الإسرائيلي دخل الحرب بأهداف كبرى وخرج منها “بأسئلة أكثر من الإجابات”.
وأوضح أن الحرب أثبتت أن التفوق التكنولوجي لا يساوي النصر السياسي، وأن إسرائيل ستضطر لإعادة النظر في عقيدتها الأمنية القائمة على “الضربة الاستباقية والحسم السريع”، بعدما كشفت حرب المدن والأنفاق استحالة تحقيق نصر نظيف.
وتوقع الحمدان أن تشهد المنطقة سباق تسلح غير معلن، وأن تبدأ بعض الدول العربية بتطوير قدراتها الدفاعية الذاتية تحسباً لمرحلة إقليمية أكثر اضطراباً.
ختام
يتفق المشاركون على أن الشرق الأوسط بعد غزة لن يشبه ما قبله؛ فالحرب لم تُعدّل فقط موازين القوة بين المقاومة وإسرائيل، بل أعادت رسم الاصطفافات والتحالفات الإقليمية والدولية، وفتحت الباب أمام مرحلة جديدة قد تكون أكثر حساسية وتعقيداً في مسار الصراع العربي – الإسرائيلي.




