د. محمد عماد صابر يكتب: السودان بين مطرقة القوى الكبرى وسندان الجغرافيا العربية!
من دارفور إلى البحر الأحمر.. هل يتحول السودان إلى “سوريا جديدة” في قلب إفريقيا؟
لم تعد الحرب السودانية صراعًا محليًا على السلطة بين الجيش وقوات الدعم السريع، بل تحولت إلى عقدة جيوسياسية عالمية تتقاطع فيها مصالح واشنطن وبكين وموسكو وتل أبيب، فوق أرضٍ غنية بالذهب، وتطل على أهم ممرٍ مائي في العالم: البحر الأحمر.
فمنذ انفجار القتال في أبريل 2023، دخل السودان مرحلة الانهيار البنيوي.
العاصمة تحوّلت إلى أطلال، ودارفور إلى ساحة إبادة، بينما بات الشرق الملاذ الوحيد لمؤسسات الدولة التي تحاول النجاة على شاطئ بورتسودان.
تاه ميزان القوى بين جيشٌ شرعي ودولة ممزقة، حيث يحتفظ الجيش السوداني بشرعية الدولة والسيطرة على الشمال والشرق، مدعومًا من مصر سياسيًا، فيما تهيمن قوات الدعم السريع على الغرب والعاصمة بتمويل ضخم من تجارة الذهب وشبكات خارجية.
النتيجة:
بلدٌ منقسم جغرافيًا واقتصاديًا وسياسيًا، توازن هشٌّ بين جيش يملك الاعتراف، وميليشيا تملك الأرض.
أما القوى المدنية التي أشعلت الثورة قبل أعوام، فقد تراجعت إلى الهامش بين المنفى والانقسام، بعد أن سُحقت آمال الانتقال الديمقراطي تحت أقدام البنادق.
إنها حرب الوكلاء: العرب يتنازعون، والعالم يتربص.
مصر تدعم الجيش بوصفه صمام أمان للحدود والنيل. الإمارات تُتهم بتمويل وتسليح قوات الدعم السريع عبر شبكات تجارية مرتبطة بالذهب، رغم نفيها المتكرر.
السعودية تحاول لعب دور الوسيط في مسار جدة، لكنها تصطدم بانعدام الثقة بين الأطراف. ليبيا (خليفة حفتر) تُستخدم بوابة خلفية لتهريب السلاح والوقود نحو دارفور.
أما الصين فتركّز على النفط والبنية التحتية، وروسيا تسعى لإحياء اتفاق القاعدة البحرية في بورتسودان، بينما إيران تمدّ الجيش بطائرات مسيّرة بحثًا عن موطئ قدم جديد في البحر الأحمر.
وهكذا، تحوّل السودان إلى لوحة شطرنج دولية، كلّ طرفٍ فيها يتحرك بقطعةٍ مختلفة: الذهب، الميناء، الحدود، واللاجئون.
يمثل البحر الأحمر “المعركة الخفية”، التحكم في الساحل السوداني يعني التحكم في واحدٍ من أهم خطوط التجارة العالمية.
تسعى واشنطن وتل أبيب إلى منع الصين وروسيا من إقامة قواعد بحرية أو مراكز لوجستية على شاطئ بورتسودان، لأن ذلك سيمنح بكين وموسكو “بوابة خلفية” لقناة السويس والخليج.
في المقابل، تستثمر الصين في الموانئ والطرق ضمن مشروع “الحزام والطريق”، بينما تضغط موسكو لإحياء اتفاق يسمح بوجودٍ عسكري دائم قرب البحر الأحمر.
أما إيران فتتحرك بهدوء لتأمين خطوط إمداد غير مباشرة نحو المقاومة في غزة واليمن.
حقا إنها كارثة إنسانية بلا أفق. أكثر من 10 ملايين نازح، وأربع ملايين لاجئ، و30 مليون محتاجٍ للغذاء والماء.
تقرير الأمم المتحدة الأخير وصف السودان بأنه “أكبر أزمة إنسانية على وجه الأرض”، بينما العالم منشغلٌ بغزة وأوكرانيا.
الفاشر “عاصمة دارفور” تحولت إلى رمزٍ للمأساة: حصار، مجاعة، ومجازر تُبث على الهواء في صمتٍ دوليٍّ مريب.
“السؤال الأن هل يمكن إنقاذ ما تبقّى؟”
الدور العربى:
تحتاج العواصم العربية، وعلى رأسها الرياض والقاهرة وأبوظبي والدوحة، إلى ما هو أكثر من البيانات.
الوقت مناسب لتأسيس تحالف عربي– إفريقي يتحرك في أربعة اتجاهات:
- هدنة إنسانية مراقبة في الفاشر ودارفور.
- درع حدودي خفيف يراقب المثلث الليبي– السوداني– التشادي.
- تحييد ميناء بورتسودان إنسانيًا بعيدًا عن صفقات القواعد.
- تدقيق تجارة الذهب لمنع تمويل اقتصاد الحرب.
هذه الإجراءات، رغم بساطتها الظاهرية، كفيلة بإبطاء نزيف الدم وفتح الباب لمسار سياسي لاحق.
خاتمة:
السودان اليوم مرآةٌ مكبرةٌ لصراعات العالم: أميركا تخشى النفوذ الصيني، وإسرائيل تراقب السلاح الإيراني، والعرب منقسمون بين الحذر والمصالح.
لكن الحقيقة الواضحة أن الخرطوم لا تحتاج إلى مزيدٍ من البنادق، بل إلى ممرٍّ آمنٍ واحدٍ للحياة، تقوده إرادة عربية رشيدة تدرك أن سقوط السودان هو سقوطٌ جديد لبوابة إفريقيا والعروبة





