العالم العربيفلسطين

واشنطن تُكثّف تحركاتها في الملف السوداني وسط قناعة متزايدة بأن الحرب تهدد الأمن الإقليمي

تحركات أمريكية جديدة لإحياء مسار التفاوض في السودان

مع استمرار دوي المدافع وغارات الطائرات المسيّرة واحتدام المعارك في عدة مدن سودانية، عادت واشنطن إلى واجهة المشهد السياسي والعسكري في السودان، في محاولة لالتقاط خيوط أزمة تجاوزت العامين والنصف، وسط قناعة متزايدة بأن استمرار الحرب يهدد الأمن الإقليمي ويفاقم المعاناة الإنسانية.

منذ اندلاع القتال بين الجيش السوداني و”قوات الدعم السريع” في 15 أبريل 2023، فشلت وساطات إقليمية ودولية متكررة في تحقيق اختراق فعلي يوقف الحرب التي أودت بحياة عشرات الآلاف، وأجبرت ملايين السودانيين على النزوح داخل البلاد وخارجها.

وتشير التقديرات الأممية إلى مقتل نحو 20 ألف شخص وتشريد أكثر من 15 مليونًا بين نازح ولاجئ، بينما قدرت دراسة أعدتها جامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألف شخص، ما يجعلها واحدة من أكثر الحروب دموية في إفريقيا خلال العقود الأخيرة.

خطوات جديدة من البيت الأبيض

في أحدث التطورات، أعلن مستشار الرئيس الأمريكي للشؤون الإفريقية مسعد بولس، أن المجموعة الرباعية الدولية بحثت خلال اجتماعها الأخير في واشنطن “جهود التوصل إلى هدنة إنسانية عاجلة ووقف دائم لإطلاق النار”، مؤكداً تشكيل لجنة مشتركة للتنسيق حول الأولويات العاجلة في السودان.

الرباعية التي تقودها الولايات المتحدة تضم كلاً من السعودية، والإمارات، ومصر، وتهدف إلى الوصول لتسوية سياسية شاملة تنهي الحرب وتعيد المسار الانتقالي نحو الحكم المدني.

وشدد بولس على أن الاجتماع الأخير جاء لتجديد الالتزام بالبيان الوزاري الصادر في سبتمبر الماضي، الذي دعا إلى هدنة إنسانية أولية لمدة ثلاثة أشهر تمهيداً لوقف دائم لإطلاق النار وبدء مرحلة انتقالية شاملة خلال تسعة أشهر تنتهي بتشكيل حكومة مدنية منتخبة.

مؤشرات اهتمام أمريكي متزايد

ويرى مراقبون أن التحرك الأمريكي الأخير يعكس تطوراً في مستوى الاهتمام داخل الإدارة الأمريكية، بعدما انتقل الملف السوداني من وزارة الخارجية إلى البيت الأبيض مباشرة، ما اعتبره محللون دليلاً على جدية أكبر في متابعة الأزمة.

المحلل السياسي السوداني أمير بابكر عبد الله أشار إلى أن “الخطوات الأمريكية الأخيرة بدت أكثر جدية بانتقال الملف إلى طاولة البيت الأبيض وتولي مستشار الرئيس مسعد بولس المسؤولية، وهو ما يعكس إدراك واشنطن بأن استمرار الحرب يهدد المصالح الإقليمية والدولية”.

وأضاف عبد الله أن “الولايات المتحدة تعمل بالتنسيق مع أطراف عربية مؤثرة لتحقيق توازن في المشهد السوداني يضمن قبولًا أوسع لأي مبادرة تفاوضية جديدة”، موضحاً أن “الرباعية الدولية تمثل حاليًا الإطار الأكثر واقعية لإحداث اختراق سياسي بعد فشل المبادرات السابقة”.

الأزمة الإنسانية تشتد

على الأرض، تتفاقم الأزمة الإنسانية يومًا بعد يوم، حيث أعلنت المنظمة الدولية للهجرة عن نزوح أكثر من 340 شخصًا من قرية “أم بشار” غرب مدينة الرهد بولاية شمال كردفان، نتيجة “تدهور الأوضاع الأمنية بعد هجمات متكررة من قوات الدعم السريع”.

كما تتواصل الاشتباكات العنيفة في مدينة الفاشر، مركز ولاية شمال دارفور، حيث أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على مقرات عسكرية، بينما لم يصدر الجيش السوداني أي تعليق رسمي حول تلك الادعاءات حتى الآن.

دعوات لتغليب الحل السياسي

في المقابل، أكد القيادي بالتحالف المدني لقوى الثورة “صمود”، محمد عبد الحكم، أن المحادثات التي جرت في واشنطن “تأتي للتأكيد على استحالة الحسم العسكري”، مشددًا على أن “واشنطن وحلفاءها يدركون أن استمرار المعارك لن يؤدي إلا إلى مزيد من الدمار والمعاناة”.

وقال عبد الحكم إن “التحركات الأخيرة للرباعية الدولية تمثل بارقة أمل لغالبية الشعب السوداني، بعد عامين من الحرب والانقسام، إذ تشير إلى قرب التوصل أولًا لهدنة إنسانية تعقبها تفاهمات لوقف إطلاق النار بشكل شامل”.

وأضاف أن “لا سبيل أمام الأطراف المتحاربة سوى الاستجابة لمطالب الشعب السوداني بوقف الحرب والانخراط في عملية سياسية تفضي إلى انتقال مدني ديمقراطي يحقق الاستقرار ويعيد بناء مؤسسات الدولة”.

مؤشرات على تحول في المشهد

وبحسب مراقبين، فإن تكثيف الاتصالات الأمريكية مع الخرطوم ومع العواصم الإقليمية المعنية بالملف السوداني يشير إلى تحول حقيقي في طريقة إدارة واشنطن للأزمة، بعد أن فقدت المبادرات السابقة زخمها وفشلت في تحقيق اختراق ملموس.

ويعتبر المحللون أن تحريك الملف من قبل البيت الأبيض مباشرة يعني أن الإدارة الأمريكية ترى أن استمرار الحرب السودانية أصبح يشكل خطرًا مباشرًا على الاستقرار الإقليمي، خاصة في ظل توسع رقعة النزاع وتزايد معدلات النزوح، واحتمال تسرب الفوضى إلى دول الجوار.

يبقى السؤال المطروح: هل تنجح واشنطن والرباعية الدولية في كسر الجمود الذي خيّم على المشهد السوداني لعامين متتاليين؟
حتى الآن، تُظهر المؤشرات أن التحركات الأخيرة قد تكون بداية مسار تفاوضي جديد، لكنه يبقى مرهونًا بمدى استعداد الأطراف السودانية لتقديم تنازلات حقيقية تضع حدًا لحرب أنهكت البلاد وأرهقت الإقليم بأسره.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى