
في نقلة نوعية تضع حجر أساس للمشهد السياسي الهولندي والأوروبي، أظهرت نتائج الانتخابات الوطنية الهولندية، التي نُشرت اليوم الأربعاء، تحقيق حزب “الديمقراطيين 66” (D66) الوسطي والمؤيد بشدة للاتحاد الأوروبي، تقدماً مذهلاً على منافسه المباشر، حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة خيرت فيلدرز.
هذا الفوز لا يمنح الحزب الانتصار فحسب، بل يمهّد الطريق لأن يصبح زعيمه، روب يتن، أصغر رئيس وزراء في تاريخ البلاد، وأول قائد حكومة فيها يعلن بشكل صريح عن مثليته الجنسية.
تشير التوقعات المستندة إلى نتائج الفرز إلى أن حزب الديمقراطيين 66 (D66) في طريقه لحصد حوالي 27 مقعداً في مجلس النواب الهولندي المكون من 150 مقعداً.
هذا العدد، وإن كان لا يضمن له الأغلبية المطلقة، إلا أنه يضع الحزب في موقع الصدارة والتمكين لتشكيل ائتلاف حاكم، متغلباً بفارق بسيط لكنه ذو دلالة على حزب الحرية اليميني المتطرف، الذي حصل على 25 مقعداً.
ان فوز D66 يمثل رسالة قوية من الناخب الهولندي، تؤكد تمسكه بقيم الوسط والليبرالية الاجتماعية والتعاون داخل الكتلة الأوروبية.
يأتي هذا في معرض رد فعل على الخطاب الشعبوي والمعادي للمؤسسات الأوروبية الذي يروج له خيرت فيلدرز.
الفوز يُعتبر إشارة تطمين للشركاء الأوروبيين، خاصة مع اقتراب مفاوضات مهمة حول سياسات الاتحاد.
انها فرحة للمجتمعات المهمشة فقدعمت الاحتفالات أنحاء البلاد، كانت أوساط اللاجئين وأصحاب الجنسية الهولندية من أصول غير أوروبية على موعد مع فرحة مميزة بخسارة فيلدرز.
فخطابه الذي طالما غالى في معاداة الإسلام ووصف الأديان، ودعا إلى حظر الهجرة من الدول الإسلامية، كان مصدر قلق وجودي للكثيرين.
بالنسبة لهم، لا تعني النتيجة مجرد تغيير سياسي عادي، بل هي تنفس الصعداء واستعادة شعور بالأمان والانتماء إلى مجتمع كان يهددهم خطابه باستبعادهم.
وهو هزيمة للخطاب الشعبوي فعلى الرغم من أن حزب الحرية سيظل قوة برلمانية كبيرة، إلا أن عدم تمكنه من الصدارة يُعد نكسة للتيار اليميني المتطرف في أوروبا، الذي كان يتطلع لتحقيق انتصار جديد بعد صعود أحزاب مماثلة في عدة دول.
النتيجة تُظهر أن “الحصانة السياسية” ضد الشعبوية لا تزال قائمة في قلب أوروبا.
رمزية تاريخية بزعامة “روب يتن”: يصبح روب يتن (46 عاماً) تجسيداً لتحول اجتماعي وسياسي في هولندا.
فبالإضافة إلى كونه أصغر رئيس وزراء، فإن كونه أول رئيس وزراء مثلي الجنس بشكل معلن يرسل رسالة قوية حول التنوع والانفتاح والمساواة، ليس فقط على المستوى المحلي، بل كقدوة في الساحة الدولية.
خلفيته كوزير سابق للتعليم والثقافة واقتصادي سابق تمنحه صورة القادر الجديد الذي يجمع بين الخبرة والتوجه الإصلاحي.
ولكن التحديات القادمة
فبرغم طعم الانتصار، تنتظر رئيس الوزراء المُنتظر تحديات جسيمة.
أبرزها ضرورة تشكيل ائتلاف حكومي مستقر في برلمان مشتت، حيث لا يوجد حزب قريب من الأغلبية.
سيتطلب هذا مهارات تفاوضية عالية للجمع بين أحزاب قد تختلف في أولوياتها، من القضايا البيئية إلى السياسات الاقتصادية والهجرة.
نجاحه في قيادة هولندا سيعتمد بشكل كبير على قدرته على جسر هذه الفجوات وتحويل برنامجه الانتخابي إلى سياسات عملية.
الانتخابات الهولندية لم تكن مجرد منافسة بين أحزاب، بل كانت معركة بين رؤيتين لمستقبل هولندا وأوروبا.
فوز روب يتن وحزبه D66 هو تصويت على أوروبا موحدة، وعلى مجتمع منفتح، وعلى نهج سياسي يقوم على الحوار والتوافق.
العالم الآن يترقب ما إذا كان هذا النموذج الليبرالي الجديد سينجح في قيادة “أراضي القنوات” نحو مرحلة جديدة، محملاً بأعباء التوقعات وآمال التغيير.
هولندا رفضت “وصفات” فيلدرز.. وفضلت طبقاً من الليبراليه!







