المغرب العربيليبيا

انتهاكات وتعذيب وصفقات سلاح سرية.. شرق ليبيا تحت مجهر الاتهامات الدولية

تتكشف في شرق ليبيا، وتحديدًا في مدينة بنغازي ومناطق سيطرة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، سلسلة من الوقائع المتشابكة التي تجمع بين انتهاكات حقوق الإنسان المروّعة، والتحركات العسكرية التي تنتهك القرارات الدولية، ومحاولات التلميع السياسي عبر بوابة الرياضة الدولية، مما يرسم صورة قاتمة لواقع ليبي معقد تتداخل فيه خيوط السياسة والأمن والعدالة.

جريمة تعذيب جديدة تهزّ بنغازي

أبرز الجرائم الأخيرة كانت مقتل المواطن محمود عون، في واقعة تكشف نمطًا متكررًا من التعذيب الممنهج داخل مراكز الاحتجاز التابعة للسلطات الأمنية شرق البلاد.
فقد وثّقت منظمة رصد الجرائم في ليبيا وفاة عون متأثرًا بإصابات خطيرة ناجمة عن التعذيب، بعد احتجازه من قبل جهاز حماية الآداب العامة فرع بنغازي التابع لوزارة الداخلية في الحكومة المكلفة من مجلس النواب.

وأكدت المنظمة أن مقطعًا مصوّرًا تم التحقق منه أظهر آثار تعذيب واضحة على جسده، مشيرة إلى أن التعذيب الوحشي تسبب في فشل كلوي ودوري أدى إلى وفاته المأساوية، محمّلة السلطات في شرق ليبيا المسؤولية القانونية الكاملة عن الجريمة التي تُضاف إلى سجل الانتهاكات داخل مراكز الاحتجاز.

وفي السياق ذاته، أكدت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان أن الضحية محمود عون الزنتاني توفي إثر تعذيب مبرّح على أيدي عناصر تابعين لمديرية أمن بنغازي، موضحة أن الجثة أظهرت كسورًا وجروحًا بليغة وكدمات متفرقة في أنحاء جسده.

ووفق البيان، ألقى الجناة جثته أمام مستشفى في حي الزيتون ببنغازي بعد وفاته، في مشهد يعكس حالة الإفلات من العقاب، ما دفع المنظمات الحقوقية إلى مطالبة النائب العام ومكتب المحامي العام بفتح تحقيق عاجل وشفاف ومحاسبة المسؤولين وفق المعايير الدولية للمحاكمة العادلة.

صفقات مروحيات فرنسية وخرق لحظر السلاح

يتزامن تصاعد الانتهاكات الحقوقية مع تسريبات حول صفقات تسليح سرية، كشفتها مجلة جون أفريك الفرنسية، حول تسلّم قوات حفتر مروحيات فرنسية من طراز “غازيل” جرى تقديمها على أنها مدنية رغم تجهيزها العسكري.

ونقلت المجلة عن مصدر إيطالي أن اتفاقًا سريًا أُبرم لشراء أربع مروحيات عبر شبكات موازية مقرها جنوب إفريقيا، لصالح قوات حفتر، من خلال وسطاء مرتبطين بروسيا، في انتهاك واضح لحظر الأسلحة المفروض على ليبيا.

وفي تقرير آخر، أكدت مجلة ديفينس ويب الجنوب إفريقية أن المروحيات الأربع تم تعديلها لتصبح شبه عسكرية، وزُوّدت برشاشات وأسلحة متوسطة من جنوب إفريقيا مرورًا بالأردن وصولًا إلى بنغازي، في تحويل غير قانوني للأسلحة يخالف قانون مراقبة الأسلحة التقليدية الجنوب إفريقي.

رحلات شحن عسكرية من الإمارات إلى بنغازي

وأشارت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية إلى أن أكثر من 59 رحلة شحن جوية وصلت إلى مناطق سيطرة حفتر، خاصة بنغازي والكفرة، حتى نهاية أكتوبر الجاري، عبر طائرات شحن عملاقة من طراز بوينغ وإليوشن، انطلقت من العين وبونتلاند في الإمارات، في مؤشر على استمرار الدعم اللوجستي العسكري رغم قرارات الحظر الأممية.

“غسيل السمعة عبر الرياضة”.. مباراة أوروبية في بنغازي

في موازاة الانتهاكات والخرق الدولي، برزت محاولات لتلميع صورة النظام عبر الرياضة الدولية، حيث أثارت مباراة ودية بين أتلتيكو مدريد الإسباني وإنتر ميلان الإيطالي في بنغازي، تمويلًا وشبهاتٍ واسعة.

منظمة هيومن رايتس ووتش اتهمت الناديين بالمشاركة في “عملية تبييض للانتهاكات”، مؤكدة أن المباراة التي أقيمت تحت شعار “كأس إعادة الإعمار” كانت أداة دعائية لتلميع حفتر ونظامه العسكري أكثر منها حدثًا رياضيًا.

وأوضحت المنظمة أن تمويل المباراة جاء من صندوق استثماري يترأسه صدام حفتر، نجل قائد الجيش الليبي، وأن كل نادٍ حصل على نحو 3 ملايين يورو مقابل المشاركة، ما يثير شبهات حول الغرض الحقيقي من اللقاء.

وأضافت أن صمت الأندية الأوروبية عن الرد على مخاطبات المنظمة بشأن خلفيات التمويل يعزز الشكوك، معتبرة أن الحدث يمثل تورطًا غير مباشر في تبييض جرائم الحرب عبر الرياضة، في وقت يعاني فيه المواطن الليبي من الأزمات الاقتصادية والانقطاع المتكرر للكهرباء وتدهور الخدمات العامة.

ختام: بين الواقع والواجهة

في ظل هذا المشهد المزدوج بين العنف الممنهج والانفتاح المصطنع، تظل بنغازي نموذجًا لواقع ليبي متصدع تُستخدم فيه الرياضة والإعلام لتجميل الانتهاكات، بينما تبقى الأسئلة معلّقة حول مساءلة الجناة وإنهاء الإفلات من العقاب في المناطق الخاضعة لسيطرة حفتر، وسط صمت دولي يثير القلق من مستقبل العدالة وحقوق الإنسان في ليبيا.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى