مقالات وآراء

د.أيمن نور يكتب: السودان بين نارين.. والضمير بين صمتي


لا يحتاج السودان إلى بياناتٍ جديدة، بل إلى ضميرٍ جديد. / فما يجري على أرضه ليس نزاعًا سياسيًا، بل كارثة إنسانية تتناسل من رحم العنف، وتتمدد كظلٍ أسود على وجه إفريقيا، والعالم يشاهد في صمتٍ مريبٍ، يساوي بين الجلاد والضحية، وبين من يُقاتل للبقاء ومن يُقاتل للدم.

حين تتحول الميليشيا إلى دولةٍ داخل الدولة، وحين يُساق المدنيون إلى الموت كما تُساق الماشية إلى الذبح، يصبح الصمت مشاركةً في الجريمة، والتأجيل خيانةً للحق، والحيادُ تواطؤًا مع القاتل. / وما يحدث اليوم من جرائم حرب، وانتهاكات إنسانيةإنسانية في دارفور والخرطوم، يتجاوز حدود الصمت الإقليمي إلى فضاء المسؤولية الدولية.

ما فعلته قوات الدعم السريع ليس اختلافًا في الرأي ولا تجاوزًا في معركةٍ عابرة، بل جرائم حربٍ مكتملة الأركان وفق القانون الدولي الإنساني، من قتلٍ جماعي واغتصابٍ وتهجيرٍ قسري، ودفنٍ أحياء، وطمسٍ متعمدٍ لأدلة الجريمة. / تلك الوقائع تفرض على العالم التزامًا قانونيًا وأخلاقيًا لا يحتمل التأجيل.

إن كل يومٍ يتأخر فيه المجتمع الدولي عن تصنيف هذه الميليشيا كـمنظمة_إرهابية، هو يومٌ يُضاف فيه مئات الضحايا إلى مقابر بلا أسماء، ويُعمّق الجرح في قلب إفريقيا والعروبة.

ما نريده ليس انتقامًا، بل عدلًا. لا نريد صوت البندقية، بل صوت القانون. / نريد أن ينهض مجلس الأمن بضميره لا بورقه، وأن يتخذ الاتحاد الافريقي موقفًا لا بيانًا، وأن تستعيد الجامعة_العربية دورها الغائب لتقول كلمةً تُعيد للسودان وجهه المشرق الذي شوّهته البنادق.

السودان لا يحتاج إلى شفقة، بل إلى موقفٍ صادقٍ وشجاع، يضع حدًّا لحربٍ تمزّق نسيج وطنٍ كان يومًا منارةً للنيل والحرية.

ما أبشع أن تتحوّل الخرطوم إلى رماد، وأن تُمزَّق دارفور بين الميليشيات، وأن يُدفن التاريخ في رمالٍ حمراء لا تُنبت سوى الدم. / وما أكرم أن تبقى الكلمة حيّة حين يموت الصوت، وأن يظل الإيمان بالحق قائمًا في وجه الرصاص.

اليوم، لا يملك الشرفاء ترف الصمت. / إنّ السكوت جريمة، واللاموقف خيانة، والمساواة بين القاتل والمقتول عارٌ أخلاقيٌّ لا يُغسله الزمن.

من هنا، نطالب المجتمع الدولي — بوضوحٍ لا مواربة فيه — بـ تصنيف قوات الدعم السريع كـمنظمة إرهابية وفقًا لميثاق الأمم المتحدة ومواد القانون الجنائي الدولي، ومحاسبة قياداتها على كل جرائم الحرب والإبادة التي ارتُكبت بحق المدنيين السودانيين.

كما نطالب بإطلاق ممرات إنسانية آمنة تتيح وصول الإغاثة إلى ملايين الجياع والنازحين، وبوقفٍ فوريٍ وشاملٍ لإطلاق النار تحت إشرافٍ دوليٍّ مستقل، وبالعمل الجاد لإعادة بناء السودان وطنًا لا ساحة صراع.

إنّ شعب السودان هذا الشعب الذي علّمنا معنى الصبر والكرامة — يستحق أن يعيش في سلامٍ وعدالةٍ وحريةٍ، لا في جحيمٍ صنعته بنادق مأجورة.

نقف اليوم مع السودان الإنسان، لا مع أي طرفٍ أو سلاح. / نقف مع المرأة التي فقدت أبناءها، مع الطفل الذي هرب من داره، مع القرية التي احترقت وبقيت تدعو. / نقف مع الحقّ حين يصمت العالم عنه، ونصرخ باسمه حين يختنق في حلق البكاء.

فلتسمع الأمم_المتحدة صوت هذا الشعب العظيم قبل أن يُدفن صوته تحت أنقاض الخرطوم. / وليعلم الجميع أن الضمير الذي لا يثور على القتل.. قد مات قبل القتيل.

السودان لا يحتاج إلى وصاية، بل إلى وقفة تضامنٍ إنسانيةٍ وقانونيةٍ وسياسيةٍ حقيقية من كل عربيٍ وحرٍّ في هذا العالم. / فالسكوت على الجريمة جريمة، والتأجيل موتٌ جديد لوطنٍ لا يحتمل موتًا آخر.

نريد أن يُفتح ملف العدالة، لا ليُغلق من جديد، بل ليكون بدايةً لزمنٍ آخر — زمن السودان الحر، السودان الواحد، السودان الإنسان

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى