د. أيمن نور يكتب : مصر والجزائر… تأجيل صفقة الغاز مع إسرائيل يُعيد رسم خريطة الطاقة في المنطقة

لم يكن تأجيل توقيع صفقة الغاز بين مصر وإسرائيل مجرد خبر اقتصادي عابر، بل علامة على خللٍ أعمق في طريقة إدارة ملف الطاقة في شرق المتوسط. صفقة قُدّرت بنحو خمسةٍ وثلاثين مليار دولار، توقفت فجأة بقرارٍ سياسي، لتكشف هشاشة الرهان على شراكاتٍ تقوم على المصالح اللحظية لا على الثقة ولا على التكامل الإقليمي.
هذا التعليق دفع القاهرة إلى مراجعة خياراتها. فحين تُبنى السياسات الطاقية على صفقاتٍ مؤقتة لا على استراتيجياتٍ طويلة الأمد، يصبح القرار مرتهنًا بقرار الآخرين. وهنا يطلّ البديل العربي-الأفريقي: الجزائر وقطر وتركيا – ثلاثة أطراف قادرة على إعادة رسم خريطة الطاقة في المتوسط إن وُجِدت الإرادة.
الجزائر تمتلك القاعدة الأهم. إنتاجها يناهز 137 مليار متر مكعب سنويًا، وصادراتها تجاوزت 50 مليارًا في عام 2023، مع خطة للوصول إلى 200 مليار بحلول عام 2030. ومع حزمة استثمارية قيمتها 60 مليار دولار حتى 2029، تُهيّئ نفسها لتكون لاعبًا عربيًا محوريًا في السوق العالمي للغاز.
أما مصر، فبينما تتحدث أرقام النمو الرسمي عن 4 أو 5 بالمئة، يعيش اقتصادها على حافة التناقض. بين طموحات الإصلاح وضغوط الدَّين والتضخّم وتراجع مصادر الطاقة المستقرة، يأتي تأجيل صفقة الغاز مع إسرائيل كتذكيرٍ بأن الأمن الطاقي لا يُبنى على صفقاتٍ سياسية، بل على تحالفاتٍ عربيةٍ حقيقية تُعيد للقرار الاقتصادي استقلاله.
قطر تُكمل الصورة كأكبر منتج عربي للغاز المسال، وتركيا بوصفها بوابة الربط بين الشرق والغرب. ومع الجزائر على ضفة المتوسط الجنوبية، ومصر في قلبه، يمكن أن يُخلق توازنٌ عربي-إقليمي يعيد للمنطقة مكانتها ويقلل تبعيتها للمصالح الأجنبية.
تأجيل الصفقة ليس فراغًا يحتاج من يملأه، بل فرصةٌ لإعادة البناء على أسسٍ عربيةٍ لا ملحقاتٍ إسرائيلية. الجزائر تملك المورد، وقطر تملك الخبرة، وتركيا تملك الممر، ومصر تملك الموقع والتاريخ. حين يلتقي ذلك كله تحت مظلة قرارٍ عربيٍّ مستقل، سيصبح الغاز أداة قوة، لا وسيلة ارتهان.





