
من قمرة طائرة هليكوبتر في حرب الفوكلاند إلى قاعات التحقيق في فضيحة جنسية مدوية، ها هو الأمير أندرو، دوق يورك، يهوي من علياء القصر الملكي البريطاني إلى هاوية العار والحرمان. لم تعد الأوسمة التي حصل عليها ولا بطولاته العسكرية كافية لحمايته من عاصفة اتهامات استغلال النفوذ والسلوك الأخلاقي المشين.
لطالما صُوّر الأمير أندرو، الشقيق الأصغر للملك تشارلز الثالث، على أنه الابن المقدام للملكة إليزابيث الثانية. في عام 1982، وخلال حرب الفوكلاند، أبى أن يكون أميرًا بعيدًا عن ساحات القتال، فقاد مروحية قتالية على متن حاملة طائرات، ليكتب بذلك سيرة “الأمير المقاتل” الذي حظي بإعجاب الشعب وتقدير الديوان الملكي.
لكن هذه الصورة الذهبية بدأت بالتشقق مع بروز اسم الملياردير الأمريكي، جيفري أبستين، المتهم بتجارة الجنس وقضايا الاعتداء على القاصرات. فبحسب الشهادات والإفادات، كانت فرجينيا جوفري – التي قالت إن أبستين قدمها للأمير – الضحية التي قلبت موازين القصة. حيث اتهمت جوفري الأمير أندرو بالاعتداء عليها جنسيًا وهي في السابعة عشرة من عمرها.
ورغم أن الأمير أندرو حاول إنهاء القضية بتسوية مالية خارج القضاء بلغت نحو 10 ملايين جنيه إسترليني، فإن الجدل لم يتوقف. فبعد وفاة جوفري في ظروف غامضة، أعاد كتابها الأخير فتح الملف من جديد، مع كشف صحفي لرسائل بريدية بين الأمير وأبستين عام 2011، وتورطه في استغلال نفوذه بالحرس الملكي للحصول على معلومات عن الضحية.
مع تصاعد الضغط الإعلامي وتحقيق شرطة سكوتلانديارد، لم يجد الملك تشارلز الثالث بدًا من اتخاذ قرار صارم. فجرد شقيقه من جميع مهامه الرسمية وأوسمته الملكية، وسُحب منه لقب “أمير” الذي لازمه منذ الولادة، ليعود إلى هويته المدنية: “أندرو مونتباتن ويندسور”.
كما أجبر على مغادرة قصره الفخم في قلعة ويندسور، وسط تساؤلات حول مصير عقود الإيجار والامتيازات المالية. سقوط الأمير أندرو ليس مجرد قصة شخصية، بل هو انعكاس لتحول جذري في النظرة إلى المؤسسة الملكية البريطانية.
فالملكية الدستورية اليوم لم تعد بمنأى عن المحاسبة، والإعلام لم يعد يتغاضى عن الفضائح الأخلاقية حتى لو طالت أعلى المراكز. لقد أرسل الشعب البريطاني والقصر الملكي رسالة واضحة: لا مكان تحت الشمس لمن يسئ استخدام النفوذ أو يخدش ثقة الشعب. أندرو من القصر إلى العزلة







