مقالات وآراء

شادي العدل يكتب: مازلنا مصريين

بسم الحياة والجمال.. هذا هو سرّنا الذي لا يفهمه أحد.. سرّ العظمة الذي نحمله في دمائنا، والذي ينتظر دائماً لحظة التنوير ليعود ويعلن عن نفسه.

إنه ليس مجرد متحف نفتتحه، بل هو مرآة نرى فيها وجهنا الحقيقي لأول مرة منذ زمن طويل.

لقد كنا نعيش في دهاليز مظلمة منذ سنوات، نحمل في قلوبنا أحزاناً لا تُحصى، وفي جيوبنا هموماً لا تُقاس.

كنا نسير في شوارع الحياة وكأننا في متحف للآلام، كل زاوية تذكرنا بما فقدناه، كل شارع يروي قصة حلم تأجل.

حتى كدنا ننسى من نحن، وكدنا نصدق أننا شعب لم يعد قادراً على الفرح، لم يعد يملك طاقة للأمل.

لكننا كنا نخدع أنفسنا.. فتحت ركام المعاناة، كان هناك كنز لا يزال يشع بالنور.

عندما افتتح المتحف المصري الكبير، لم يكن الأمر مجرد افتتاح لمبنى، بل كان افتتاحاً لروحنا المصرية العتيقة، كانت تلك اللحظة سحرية، حيث تحول الماضي من مجرد ذكريات في الكتب إلى حقيقة ملموسة تشهد بعظمة من صنعوها.

كنا نقف أمام تمثال رمسيس الثاني، ونتساءل كيف استطاع أجدادنا أن ينحتوا من الحجر روحاً؟

كيف استطاعوا أن يخلدوا الجمال في عالم كان يجب أن يكون مشغولاً بالبقاء فقط؟

ثم أدركنا أن الجواب هو أنهم كانوا يرون الحياة بشكل مختلف، كانوا يؤمنون بأن الإنسان خُلق ليبني، ليثبت أنه أكثر من مجرد كائن يعيش ويموت.

فكانت اللوحة الأجمل في هذا المتحف لم تكن منحوتات الذهب ولا توابيت الملوك، بل كانت وجوه المصريين وهم يشتاقون لرؤية تراثهم، لقد كشف هذا المشهد عن حقيقة كنا ننساها، أن المصريين، رغم كل ما يعانونه، مازالوا قادرين على الفرح، مازالوا يملكون تلك الطاقة الخفية التي تجعلهم ينتقلون من الحزن إلى البهجة في لمح البصر، إنها المعجزة المصرية الحقيقية، القدرة على تجاوز المحن والتحول من الهزيمة إلى النصر.

لقد أعادنا المتحف إلى هويتنا الحقيقية، لقد كنا ضائعين بين هويات مستوردة، وأيديولوجيات غريبة، وتيارات متصارعة، لكن المتحف قال لنا كلمته الصامتة “أنتم مصريون.. وهذا يكفي”.

إن الهوية المصرية ليست مجرد انتماء جغرافي، بل هي حالة وجودية، هي طريقة في النظر إلى العالم، هي فلسفة حياة تقول “أنت إنسان، فكن عظيماً”، لقد فهم أجدادنا هذه المعادلة البسيطة والعميقة، واليوم بدأنا نستعيدها.

لقد أرسل الشعب المصري رسالة واضحة للعالم، “نحن قد نختلف مع سياسات، وقد ننتقد أخطاء، لكننا لن نتخلى عن وطننا”، لقد قالها المصريون بأقدامهم وهم يتجهون إلى الميادين للاحتفال بافتتاح المتحف المصري الكبير ، قالوها بعيونهن وهي تلمع فخراً، قالوها بقلبهم وهي تنبض حباً لهذا التراث الخالد.

إنها الرسالة التي يحتاج العالم أن يسمعها، أن المصريين شعب يملك من الطاقة ما يمكنه من تجاوز أي أزمة، وأن الحضارة التي صنعت الأهرامات لازالت قادرة على صنع المعجزات.

فالمتحف المصري الكبير ليس مجرد متحف، بل هو بيان وجود، هو إعلان حياة، هو تذكرة بأننا شعب خالد، حملنا مشعل الحضارة منذ فجر التاريخ، وسنستمر في حمله حتى آخر الزمان.

إن الطاقة الكامنة فينا هي سرّ خلودنا، هي التي جعلتنا ننتصر على الغزاة، ونبني الحضارات، ونتجاوز المحن، وهي اليوم تجعلنا نقف أمام متحفنا الجديد ونقول “ها نحن نعود.. ها نحن نستعيد صورتنا الحقيقية.. ها نحن نبدأ من جديد”.

مبروك لنا هذا المتحف، ومبروك لنا هذه الروح التي لا تموت، ومبروك لنا أننا مازلنا قادرين على أن ندهش العالم بأننا، رغم كل شيء، مازلنا مصريين.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى