العالم العربيالمغرب العربيتونس

إضراب عام في قطاع البنوك التونسية للمطالبة بزيادة الأجور واستئناف المفاوضات

شهدت تونس، يومي الاثنين والثلاثاء، إضرابًا عامًا في قطاع البنوك، تخللته وقفات احتجاجية في العاصمة ومدينة صفاقس جنوب البلاد، للمطالبة بزيادة الأجور واستئناف المفاوضات المتوقفة مع السلطات الحكومية.

ورغم تحذيرات اقتصادية من تداعيات الإضراب، أكد نقابيون أن غلق باب الحوار من قبل السلطات أجبرهم على خوض هذا التحرك النقابي.

إضراب ليومين واحتجاجات في العاصمة وصفاقس

بدأ عمال البنوك إضرابًا شاملًا استمر ليومين، تخلله تنظيم وقفات احتجاجية أمام عدد من المؤسسات المالية والبنوك المركزية في تونس العاصمة وصفاقس، للمطالبة بفتح باب المفاوضات وتحقيق زيادات عادلة في الأجور.

وكان المجلس القطاعي للبنوك والمؤسسات المالية قد أعلن في 16 أكتوبر الماضي عن الإضراب “دفاعًا عن الحق النقابي ورفضًا للقرارات الأحادية التي تمس استقلالية العمل النقابي”.

المجلس البنكي: الزيادات ستُفعل في إطار قانون المالية

في المقابل، اعتبر المجلس البنكي والمالي أن الدعوة إلى الإضراب “غير مقبولة”، مشددًا على التزامه بتفعيل الزيادات في الأجور وفق أحكام قانون المالية لسنة 2026، ولا سيما المادة الخامسة عشرة منه.

وأكد المجلس في بيان رسمي حرصه على “ضمان تحسين الأجور في إطار التشريعات المعتمدة”، مشيرًا إلى أن تنفيذ هذه الزيادات سيتم وفق الجدول الزمني الذي تحدده الحكومة في ميزانية العام الجديد.

نقابيون: الحكومة تمارس مغالطة وتهضم حقوق العمال

من جانبه، قال أحمد الجزيري، الكاتب العام للجامعة العامة للبنوك والمؤسسات المالية التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل، إن الإضراب جاء نتيجة “مغالطة حكومية”، مؤكدًا أن “ربط الزيادة في الأجور بميزانية 2026 إجراء غير قانوني وغير منصف”.

وأوضح الجزيري أن مؤسسات القطاع البنكي تخضع لاتفاقيات إطارية مشتركة ولا تعتمد في أجورها على الميزانية العمومية للدولة، معتبرًا أن الإجراء الحكومي “محاولة لعرقلة الحقوق النقابية وسحب البساط من تحت العمال”.

وأضاف: “نطالب بزيادة تشمل سنوات 2025 و2026 و2027، لكن قانون المالية اقتصر على 2026 و2027 و2028، وهو ما يعني حرماننا من زيادة عام 2025″، مشيرًا إلى أن الزيادات في باقي القطاعات تم احتسابها ضمن ميزانية 2025.

مطالب تتجاوز الأجور إلى الحفاظ على الحوار الاجتماعي

وأكد الجزيري أن نضال النقابات “يتجاوز مجرد الزيادة في الأجور”، مشددًا على أن الهدف هو “الحفاظ على تقاليد الحوار الاجتماعي التي أرستها تونس منذ سنوات طويلة”.

وأوضح أن الجامعة العامة للبنوك راسلت الجهات الرسمية منذ مارس الماضي لاستئناف المفاوضات دون أي تجاوب، محمّلًا السلطات “مسؤولية تعكير المناخ الاجتماعي والدفع نحو الإضراب”.

وأضاف: “نعتذر لزبائننا الكرام، لكننا دُفعنا إلى ممارسة حقنا الدستوري الذي تضمنه القوانين الوطنية والدولية”، مؤكدًا في الوقت ذاته أن “النقابة ما زالت تمد يدها للحوار ومستعدة لتعليق الإضراب فور الدعوة إلى التفاوض”.

رأي سياسي مغاير: الإضراب استهداف سياسي للرئيس

في المقابل، اعتبر بدر الدين الغرسلاوي، الأمين العام لحزب المسار، أن “الإضراب يحمل خلفيات سياسية واضحة، ويهدف إلى استهداف الرئيس قيس سعيّد”.

وأوضح أن آخر اتفاق بين النقابات والحكومة كان في نوفمبر 2022 وشمل سنوات 2022 و2023 و2024، فيما لم تتضمنه سنة 2025، مشيرًا إلى أن المطالب “مشروعة لكنها لا تستوجب تعطيل القطاع البنكي ليومين كاملين”.

وقال الغرسلاوي إن الإضراب “أضر بالاقتصاد التونسي وأوقف معاملات البورصة وتحويلات العملة”، معتبرًا أن هناك “تسييسًا للنشاط النقابي ومحاولة لاستغلال الوضع الاجتماعي لأغراض سياسية”.

وأضاف أن “الرئيس قيس سعيّد منتخب من قبل 3 ملايين تونسي وله غطاء شعبي واسع”، مؤكدًا أن “الدولة لم ترفض الحوار مع النقابات، لكنها ترفض التلاعب بمصالح الشعب”.

خلفية الأزمة بين الاتحاد والرئاسة

كان الاتحاد العام التونسي للشغل قد دعم في البداية قرارات الرئيس قيس سعيّد في يوليو 2021، قبل أن يبدأ في انتقادها لاحقًا، خصوصًا بعد رفضه مبادرة الحوار الوطني التي دعا إليها الاتحاد في ديسمبر 2022.

وتعود جذور التوتر الحالي إلى الإجراءات الاستثنائية التي فرضها الرئيس سعيّد منذ 25 يوليو 2021، حين حلّ مجلس النواب والمجلس الأعلى للقضاء، وأصدر تشريعات بأوامر رئاسية، وأقرّ دستورًا جديدًا عبر استفتاء شعبي، ثم نظم انتخابات تشريعية مبكرة.

تحليل
يعكس الإضراب الأخير في قطاع البنوك التونسي تصاعد التوتر بين السلطة التنفيذية والنقابات العمالية، في ظل غياب قنوات الحوار الاجتماعي واستمرار الضغوط الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، وسط مخاوف من توسع دائرة الاحتجاجات لتشمل قطاعات أخرى خلال الأشهر المقبلة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى