
في لحظة تجسد القول المأثور “ضحكة واحدة تقصم ظهر البعير”، انطلقت من قلب الجالية المغاربية في هولندا أغنية ساخرة تحولت إلى ظاهرة ثقافية وسياسية غير متوقعة.
لم تكن رصاصات يمكن أن توقف مسيرة خيرت فيلدرز، زعيم حزب الحرية اليميني المتطرف، لكنها كانت كلمات مغناة ولحنًا شائعًا استطاع أن يحول خطابه العنصري إلى مادة للضحك والسخرية، مظهرًا أن الفن قد يكون سلاحًا أكثر فاعلية من المواجهة المباشرة في بعض الأحيان.
من خطاب الكراهية إلى لحن السخرية
لم يعد خيرت فيلدرز ذلك السياسي المخيف الذي يهيمن على العناوين الإخبارية بخطابه المعادي للإسلام والمهاجرين.
عبر منصات التواصل الاجتماعي، خاصة تيك توك، تحول إلى “ميم” غنائي.
الأغنية، التي تبدأ عادة بعبارات مثل “يا خيرت، يا خيرت”، تروي بطريقة كوميدية تناقضات مواقفه، مستخدمة اللهجة المغاربية الدارجة ومزيفةً موسيقى شبابية جذابة.
الكلمات لا تنتقد سياساته فحسب، بل تسخر من شخصيته بشكل لاذع، مما يسحب منه هيبة السياسي التقليدي ويضعه في قفص الاتهام الشعبي.
الفن كأداة للمقاومة الثقافية
هذه الظاهرة ليست مجرد أغنية عابرة، بل هي نموذج راقٍ للمقاومة الثقافية.
فبدلاً من الدخول في صراعات جدالية عقيمة، لجأ الشباب من أصول مغاربية، وبينهم كثيرون من مواليد هولندا، إلى لغة يفهمونها جيدًا وهو الفن والموسيقى والفكاهة.
لقد استخدموا إبداعهم لتفكيك خطاب الكراهية، إظهار أن الانتماء الهولندي لا يتعارض مع الجذور الثقافية، وأن الهوية الهولندية الجديدة هي هوية مركبة ومتعددة الأبعاد.
وكانت ردود الفعل من الغضب الصامت إلى الظاهرة المجتمعية.
بينما لم يعلق فيلدرز بشكل مباشر على الأغنية، يُلاحظ أن خطابه أصبح أكثر حذرًا في بعض الأحيان، أو أكثر تطرفًا في أحيان أخرى كرد فعل يائس.
الأهم من ذلك هو رد الفعل المجتمعي بينما تضحك شرائح واسعة من الهولنديين، بمن فيهم من غير المغاربيين، على الظاهرة، يشعر أفراد الجالية المغاربية بقوة جديدة ووسيلة للتعبير عن وجودهم ورفضهم للتمييز.
الأغنية أصبحت نشيدًا غير رسمي للفخر الهولندي-المغاربي. تأثير الظاهرة على المشهد السياسي والاجتماعي .
هذه الأغنية تذكرنا بأن القوة لا تكمن دائمًا في البرلمانات ومراكز الأبحاث فقط، بل أحيانًا في الإبداع الشعبي العفوي.
لقد نجحت، ولو بشكل مؤقت، في تحويل النقاش من خطاب فيلدرز المخيف إلى سخريته المضحكة، مما أثر على صورته لدى الناخبين المترددين.
كما أنها تسلط الضوء على فشل خطاب الكراهية في كبح روح المجتمعات التي يستهدفها، بل قد يحولها إلى كائن ثقافي أكثر إبداعًا وقدرة على التأثير.
في النهاية، تثبت الأغنية المغاربية الساخرة أن آخر ما قد يتوقعه سياسي متطرف هو أن يصبح نكتة مغناة.
ليست الرصاصات، بل الضحكات هي التي قد تقوض أركان خطاب الكراهية.
هذه الظاهرة ليست مجرد رد فعل، بل هي رسالة قوية مفادها: “نحن هنا، نحن جزء من هذا النسيج، وسنستخدم ثقافتنا وفننا لنقول كلمتنا”.
في معركة الأفكار، قد يكون اللحن الشائع والكلمة المضحكة هما السلاح الأكثر ديمومة وتأثيرًا.
				
					






