مقالات وآراء

دأيمن نور يكتب: بيني وزهران ممداني… عشرون عامًا من الحلم

في مطلع الأربعينيات من عمري، وضعتُ قدمي على أول طريقٍ نحو انتخاباتٍ رئاسيةٍ حقيقية في بلدي مصر.

كنتُ أؤمن أن التغيير ممكن، وأن “الأمل في التغيير” ليس شعارًا انتخابيًا، بل وعدًا بيني وبين جيلٍ يبحث عن نفسه في مرايا الحرية.

حللتُ ثانيًا من بين عشرة مرشحين، لكنّ الترتيب الذي منحتْه لي الصناديق لم يُقنع القصر، فوجدتُ نفسي بعد ساعاتٍ من إعلان النتيجة بين جدرانٍ لا ترى الشمس.

هناك، في الزنازين، كان الحلم يُسجَن معي، يُعذَّب ويُرحَّل ويُشوَّه، حتى صار الأملُ تهمةً لا تُغتفر.

بعد عشرين عامًا، وسبعة آلاف يومٍ من التيه، أطلّ على العالم وجهٌ شابٌّ من قلب NewYorkCity يُعيد إلى ذاكرتي طعم ذلك الحلم القديم.

اسمه ZohranMamdani، ابنُ مهاجرَين من أوغندا والهند، مسلمٌ تقدّميّ، لم يهبط من مقعدٍ جاهز، بل صعد من رصيفٍ شعبيّ، من حيّ Queens الذي يعرف رائحة الكفاح وطعم الازدحام.

ها هو الآن، بعمر الخامسة والثلاثين، يتسلّم مفاتيح أكبر مدن العالم، ليصبح FirstMuslimMayor في تاريخها الطويل، محققًا ما سمّاه الناس على المنصات: HistoricWin.

فوزُ ممداني ليس مجرد خبرٍ في نشرةٍ أميركية، بل علامةٌ فارقة في سجلّ الديمقراطية حين تفتح أبوابها للشعب لا للمال.

انتصاره نتيجةُ GrassrootsRise حقيقية: حملةٌ بلا أبراج، ميزانيةٌ بلا مليارات، دعمٌ من الفقراء والطبقة الوسطى، وبرنامجٌ يرتكز على HousingJustice و**FreeTransit** و**WorkersRights**.

اختار أن يتحدث لغة الناس، لا لغة البنوك، فاختارته المدينة التي أنهكتها الأسعار لتمنحه أمانةَ الأمل.

لكن ما بين حلمي وحلمه، يكمن الفرق بين دولتين وزمنين: في مصر، يُسجَن من يحلم، وفي أمريكا، يُنتخَب من يحلم. في القاهرة، تُصادَر الصناديق قبل أن تُفتح، وفي نيويورك، تُفتح الأرواح قبل الصناديق.

الفارق ليس في الشعوب، بل في الأنظمة التي تسمع نبضها أو تُخرسُه.

لقد فاز ممداني لأن بلده احترم دستوره، لأن المؤسسات هناك تحمي الإرادة لا تُهندسها، ولأن الديمقراطية لديهم ليست ديكورًا بل عقدًا اجتماعيًا حيًّا. PowerToThePeople

الحدث لم يكن أميركيًا فقط، بل إنسانيًا في عمقه، عربيًا في دلالته، وإسلاميًا في رمزيته.

شابٌّ مسلمٌ يُدير مدينةً تُعدّ القلب المالي والثقافي للعالم، في زمنٍ تزداد فيه Islamophobia اتساعًا، ليُثبت أن الإيمان لا يتناقض مع المدنية، وأن الهوية لا تُقصي المواطنة، بل تُغنيها.

في هذا الفوز رسالةٌ للعالم: أن التعددية لا تضعف الأمم بل تُحصّنها، وأن العدالة الاجتماعية ليست رفاهيةً يسارية بل ضمانةٌ للبقاء. DiverseDemocracy MuslimLeadership

سياسيًا، يعيد فوز ممداني تعريف المشهد الأميركي: انحسار التيار اليميني في المدن الكبرى، وتقدّم التيار التقدّمي الذي يخاطب المعاناة لا المخاوف.

انتخابه يعني أن الجيل الجديد من GenZ و**Millennials** قرر أن لا يترك السياسة للعجائز.

اقتصادياً، ينتظر منه المستثمرون أن يوازن بين العدالة والنمو، وأن يبرهن أنّ اليسار يمكن أن يحكم دون أن ينهار السوق.

دوليًا، ينظر العالم إلى نيويورك الجديدة كمنصةٍ لاختبارٍ عالميٍّ للحوكمة الأخلاقية، ولقدرة المدينة على تجاوز انقسامات USPolitics.

أما عربيًا، فالمشهد موجع وجميل في آنٍ واحد: جميلٌ لأنّ الحلم الذي وُئد في القاهرة يعيش في نيويورك، وموجعٌ لأنّ المسافة بين الحلمين لا تُقاس بالكيلومترات، بل بعدد الحريات الممنوعة والأصوات المخنوقة.

حين أرى وسم HopeWins يتصدّر المنصات، أتذكّر أنني رفعت قبل عشرين عامًا شعارًا اسمه “الأمل في التغيير”، وأنّ الأمل نفسه ما زال حيًّا، يهاجر بين المدن، ينتظر يومًا يعود فيه إلى وطنٍ يصدّق أبناءه.

في هذا الانتصار درسٌ للعالم كلّه: الديمقراطية لا تُورَّث، الحرية لا تُستعار، الشرعية لا تُشترى.

الطريق إلى الغد لا يُعبد بالولاء، بل بالمواطنة.

لا تُبنى الأمم بالمهرجانات، بل بالمشاركة.

ولا يُصنع القائد في دهاليز الأجهزة، بل في ساحات الناس. CitiesMatter LocalChange

ما بين “الأمل في التغيير” و“حلم نيويورك” خيطٌ واحد من نورٍ لم ينقطع، وإنْ طال عليه الليل.

فوز ZohranMamdani ليس مجدًا لشخصٍ بعينه، بل قصيدةٌ في حقّ الإنسانية حين تختار بنفسها من يحكمها.

هو انتصارٌ للمنهج على الصدفة، وللشعب على السلطة، وللإرادة على القيد.

وقد علّمني هذا الرجل من بعيد أن الحلم لا يموت… بل يهاجر مؤقتًا، حتى يجد وطنًا يصدّقه.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى