لعنة الملك الذهبي.. الحكاية التي حيّرت العلماء منذ قرن
من أعماق رمال وادي الملوك في الأقصر، خرج صوت الملك توت عنخ آمون بعد أكثر من ثلاثة آلاف عام ليعيد للعالم دهشة الفراعنة وغموضهم.
لم يكن مجرد اكتشاف أثري عام 1922، بل كان بداية لأسطورة ما زالت تثير الرعب والفضول حتى اليوم.. “لعنة الملك الذهبي”.
كان توت عنخ آمون أحد ملوك الأسرة الثامنة عشرة في الدولة الحديثة، تولى الحكم وهو في التاسعة من عمره بعد وفاة أخيه غير الشقيق سبنخ كارع، وتزوّج من عنخ إسن آمون ابنة الملك إخناتون والملكة نفرتيتي.
لم يتجاوز عمره الثامنة عشرة حين مات في ظروف غامضة، فترك وراءه ألغازًا حيّرت العلماء ودهشة لا تنتهي.
في عصره، كانت مصر تعيش اضطرابًا دينيًا كبيرًا بعد أن حاول والده إخناتون توحيد العبادة في معبود واحد هو “آتون”، لكن الصبي الصغير أعاد عبادة آمون إلى مجدها القديم، فغيّر اسمه من “توت عنخ آتون” إلى “توت عنخ آمون”، وأعاد ترميم المعابد المهجورة واحتفل مع الشعب بالأعياد الكبرى في طيبة ومنف.
غير أن حكمه القصير انتهى فجأة. مات الملك الشاب في ريعان شبابه، ودفن في مقبرة صغيرة لم تكن معدّة لملك، فامتلأت بالغنى والفخامة في مساحة ضيقة، وكأن القدر استعجل دفنه قبل أن يكتمل عرشه.
بعد ثلاثة آلاف عام، فتح عالم الآثار البريطاني هاوارد كارتر المقبرة رقم 62، ليجدها كاملة بكل كنوزها، من الذهب والمجوهرات والعجلات الحربية إلى أدوات التجميل والعطور الملكية.
لكن مع لحظة فتح المقبرة، بدأت الأسطورة.
توالت وفيات غامضة بين المشاركين في الحفر، بدءًا من ممول البعثة اللورد كارنارفون الذي توفي بعد أسابيع قليلة، مرورًا بمساعدين أصيبوا بأمراض غريبة.
انطفأت الكهرباء في القاهرة يوم موته، واشتعلت حكاية “لعنة الفراعنة” التي “تضرب كل من يعكر صفو الملك”.
العلماء حاولوا تفسير اللغز علميًا، فقالوا إن الأمر ربما يعود إلى غازات أو بكتيريا حبيسة في المقبرة منذ آلاف السنين، أو إلى تسمم إشعاعي أصاب من فتحوها.
بينما رأى آخرون أن وفاته نفسها لم تكن طبيعية، وربما كانت نتيجة إصابة أو مؤامرة اغتيال داخل القصر.
أما جثمان الملك فحُفظ بعناية مذهلة، ووجد الأطباء خلال فحص المومياء عام 2010 آثار كسر في الساق وغرغرينا في القدم اليسرى قد تكون سبب الوفاة، إلى جانب مؤشرات لمرض وراثي ناتج عن زواج الأقارب في السلالة الملكية.
بعد قرن من اكتشاف المقبرة، لا يزال توت عنخ آمون يحافظ على سرّه. بين الأسطورة والعلم، بين اللعنة والتحليل الجيني، يبقى “الملك الذهبي” أكثر شخصيات التاريخ المصري القديم غموضًا وسحرًا، يروي للأجيال أن الموت لا يُخفي الحكايات… بل يبدأها.




