مقالات وآراء

د. محمد عماد صابر يكتب : الإمارات ومحاربة الحركات الإسلامية! “من الأمن الداخلي إلى الدور الوظيفي في مشروع الشرق الأوسط الجديد”

منذ أحداث الربيع العربي، شكّل الموقف الإماراتي من جماعة الإخوان المسلمين والحركات الإسلامية أحد أهم ملامح السياسة الإقليمية الجديدة في الشرق الأوسط. فقد تحولت الإمارات من دولة صغيرة ذات طموح اقتصادي إلى فاعلٍ سياسي يسعى لتشكيل موازين القوى في المنطقة عبر محاربة ما تسميه “الإسلام السياسي”، مستندة إلى دعمٍ غربيٍّ وإسرائيليٍّ متزايد.

داخليًا، صنّفت أبوظبي جماعة الإخوان المسلمين ضمن التنظيمات الإرهابية منذ عام 2014، واعتقلت العشرات من النشطاء والعلماء، أبرزهم رموز جمعية الإصلاح الإماراتية. وفي يوليو 2024 أصدرت المحكمة الاتحادية العليا أحكامًا بالسجن المؤبد على 43 شخصًا بتهمة الانتماء إلى التنظيم، في ما عُرف إعلاميًا بقضية “الإخوان الإماراتيين” 【Reuters 2024】【FT 2024】.

هذه الإجراءات تمثل نهجًا أمنيًا شاملاً يربط الدعوة الإسلامية بالتهديد السياسي، مخالفًا لمقاصد الشريعة التي تؤكد على وجوب التعاون على البرّ والتقوى كما قال الله تعالى: “ولتكن منكم أمةٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر” (آل عمران 104).


قال ابن تيمية في السياسة الشرعية: “صلاح بني آدم لا يتم إلا بالاجتماع والتعاون على الحق، والفرقة سبب الفساد والضعف”، وهو ما يعكس أن تجريم العمل الجماعي الإسلامي هو انحراف عن مقصد الاجتماع على الخير لا حماية للوطن.

إقليميًا، تمدد الموقف الإماراتي ليصبح سياسةً إقليمية منظمة، ضمن محور الإمارات ومصر والسعودية بعد 2013. ففي مصر، كانت أبوظبي من أبرز الداعمين للانقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي، وقدمت مليارات الدولارات للنظام الجديد لتثبيت أركانه 【SWP Berlin 2023】.

وفي ليبيا، دعمت الإمارات خليفة حفتر عسكريًا ضد الحكومة الشرعية في طرابلس، مستخدمة طائرات مسيّرة وقواعد عسكرية شرق البلاد 【Atlantic Council 2024】.

أما في السودان، فاتهمتها الخرطوم بدعم قوات الدعم السريع بالسلاح والتمويل، مما أدى إلى قطع العلاقات رسميًا في مايو 2025 【The Guardian 2025】

. وفي اليمن، أنشأت أبوظبي تشكيلات عسكرية موالية لها مثل “قوات النخبة” و“الحزام الأمني”، مستهدفةً حزب الإصلاح ذي التوجه الإسلامي 【Amnesty 2025】【TRT World】.

لم يتوقف النفوذ الإماراتي عند حدود العالم العربي، بل امتد إلى القرن الإفريقي. فقد دعمت فصائل في الصومال وأقامت قواعد عسكرية في بوصاصو وبربرة، وشاركت في تدريب وحدات خاصة، في إطار مشروع للسيطرة على الموانئ والممرات البحرية.

كما ساعدت الحكومة الإثيوبية في نقل معدات عسكرية خلال حرب تيغراي، وسعت إلى ربط أديس أبابا بمشاريع لوجستية وتجارية تفتح لها منفذًا على البحر الأحمر 【Soufan Center 2024】【Chatham House 2023】.

هذه السياسات تعكس رؤية تتجاوز الأمن إلى البنية الفكرية للنظام الإماراتي الذي يسعى إلى “إسلام جديد” منزوع الروح الجهادية والسياسية، متصالح مع الاحتلال، تحت شعار “الإسلام الإبراهيمي” الذي روّج له اتفاق إبراهام 2020.

وهو ما يتناقض مع قوله تعالى: “ومن يتولهم منكم فإنه منهم” (المائدة 51).

فالموالاة السياسية والعسكرية للكيان الصهيوني تحت لافتة السلام تمثل دعمًا للمعتدين على حساب الأمة، وتندرج ضمن أخطر صور الانحراف الاستراتيجي في المنطقة.


من الناحية الشرعية، تمثل هذه السياسة خروجًا عن مقاصد الحكم في الإسلام التي تقوم على العدل والكرامة والحرية. قال الإمام الشافعي: “كلّ ما أقام العدل فهو من الشريعة وإن لم يُنزل به نص.” بينما الواقع يشهد على دعم الإمارات لأنظمة القهر والاستبداد، ومطاردة كل صوتٍ إصلاحي، وتجفيف منابع الدعوة، مما يجعلها في موقع المناقض للعدل والمقاصد.


أما من الزاوية الاستراتيجية، فإن الإمارات تلعب اليوم دورًا وظيفيًا في إعادة تشكيل المنطقة وفق الرؤية الأميركية– الإسرائيلية، حيث تُستخدم قوتها المالية والإعلامية لتفتيت الكيانات الإسلامية وتمهيد الطريق لتطبيع الهيمنة. هذه الأدوار تمثل امتدادًا حديثًا لاتفاق سايكس– بيكو ولكن بصيغة اقتصادية– دينية جديدة، تقوم على احتواء الإسلام السياسي وإحلال “الإسلام المؤمَّن” مكانه.


النتيجة المباشرة لهذه السياسات هي تآكل الثقة بالعمل الإنساني العربي بعد تسييس بعض المنظمات الإماراتية، وتراجع الدور الدعوي، وتعميق الانقسام داخل الصف الإسلامي، فضلًا عن تعزيز التطبيع مع الاحتلال وتحويل الصراع من “إسلام مقابل صهيونية” إلى “إسلاميين ضد إسلام رسمي”.
من منظور السياسة الشرعية، قال ابن تيمية: “من أعان الكفار على المسلمين بأي نوع من أنواع العون فقد خان الله ورسوله.” (مجموع الفتاوى 28/205).


وبذلك فإن التحالف مع قوى الاحتلال أو دعم الأنظمة القامعة للمسلمين يدخل في باب الموالاة المحرّمة شرعًا، ويحمل تبعات سياسية وأخلاقية جسيمة.
ختامًا، لا يمكن مواجهة المشروع الإماراتي إلا ببناء مشروع إسلامي جامع يعيد التوازن بين الدعوة والسياسة، ويقدّم نموذج الدولة الراشدة التي تحكم بشرع الله وتنهض بأمتها بالعلم والعدل، لا بالولاء للأجنبي ولا بالخصومة مع الدين. “إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم.” (محمد 7)

المراجع الموثقة:
‏Reuters (10 July 2024) – UAE court issues life sentences to 43 it says operated local Muslim Brotherhood group.

‏Financial Times (10 July 2024) – United Arab Emirates sentences 43 activists to life in prison.

‏The Guardian (6 May 2025) – Sudan to cut ties with United Arab Emirates over alleged RSF support.

‏Atlantic Council (2024) – The UAE’s precarious shift in Libya policy.
‏SWP Berlin (2023) – Egypt–UAE: Emerging Arab Military Ecosystem.
‏Chatham House (2023) – Navigating Ethiopia’s Tigray conflict.
‏Soufan Center (2024) – UAE Military Role in Africa.
‏Ibn Taymiyyah, As-Siyasa Ash-Shar‘iyya.
‏Al-Shafi‘i, Ar-Risala.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى