العالم العربي

الانتخابات البرلمانية في العراق.. مشهد سياسي معقد وتشتت في الأصوات يضعف فرص الهيمنة

مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في العراق المقررة في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، تتجه الأنظار نحو صناديق الاقتراع التي ستحدد ملامح المشهد السياسي المقبل، وسط منافسة محتدمة وارتفاع غير مسبوق في عدد المرشحين، ما يعكس حالة من الانقسام السياسي وتشتت الناخبين.

استحقاق وطني حاسم

تمثل هذه الانتخابات محطة مفصلية لتقييم قدرة النظام الديمقراطي على مواجهة التحديات الداخلية، غير أن مراقبين يرون أن التحالفات التكتيكية المؤقتة طغت على البرامج الانتخابية الواضحة، في مشهد يوحي بتكرار أنماط التوافق التقليدي بعد إعلان النتائج.

ويشارك في السباق الانتخابي 7 آلاف و768 مرشحًا، بينهم 5 آلاف و520 رجلًا وألفان و248 امرأة، يتنافسون على 329 مقعدًا في مجلس النواب، في حين يحق لـ 21 مليون ناخب الإدلاء بأصواتهم.

وتُعد هذه الانتخابات السادسة منذ عام 2003، وتأتي قبل 45 يومًا من انتهاء الدورة البرلمانية الحالية التي بدأت في 9 يناير 2022 وتنتهي في 8 يناير 2026.

رحيم الشمري: تشتت الأصوات سيمنع ظهور قوائم مهيمنة

المحلل السياسي رحيم الشمري أكد أن الانتخابات الحالية ستشهد تشتتًا غير مسبوقًا في الأصوات، بسبب عزوف بعض الناخبين، وتزايد الهجرة، والعدد الكبير من المرشحين، الذي تجاوز 7800 مرشح.

وقال الشمري في تصريحاته إن “الحديث عن قائمة رئيسية مهيمنة أمر بعيد عن الواقع”، متوقعًا أن تحصل معظم القوائم على نسب محدودة من المقاعد، لا تتجاوز 5 بالمئة من إجمالي 329 مقعدًا، في حين ستحصل أخرى على واحد أو اثنين بالمئة فقط.

وأشار إلى أن توزيع المقاعد سيبقى ثابتًا نسبيًا بين المكونات الثلاثة الرئيسية منذ انتخابات 2010 و2014، بواقع 180–190 مقعدًا للمكون الشيعي، و60–70 للسني، و50–60 للكردي، مع تخصيص 9 مقاعد كوتا للمكونات القومية والدينية.

تحالفات وقتية وبرامج غائبة

من جانبها، قالت أنسام سلمان، رئيسة منظمة “آيسن” لحقوق الإنسان، إن الخريطة السياسية في العراق “لن تشهد تغييرًا جوهريًا”، لأن معظم التحالفات الحالية “تكتيكية ومؤقتة”، هدفها عبور العتبة الانتخابية دون تقديم برامج وطنية واضحة.

وأضافت أن “البرامج المطروحة شبه معدومة لدى القوى الشيعية والسنية والكردية على حد سواء، مما أدى إلى فقدان ثقة الجمهور وضعف نسب المشاركة المتوقعة”.

وترى سلمان أن “التحالفات القائمة قد تنتهي فور إعلان النتائج”، مؤكدة أن اختيار رئيس الوزراء سيبقى خاضعًا للتوافقات بين الكتل وليس للآليات الدستورية الصارمة، كما هو معتاد في التجارب الانتخابية السابقة.

الخارطة السياسية للمكونات

تُظهر المؤشرات الأولية أن المكون الشيعي سيتجه إلى ترشيح شخصيات مستقلة في بغداد والمحافظات الجنوبية لتجاوز الصورة السلبية المرتبطة بالقوائم السابقة، مع وجود نحو 10 قوائم سائدة يصعب ترجيح إحداها.

أما المكون السني، فتتوزع قوائمه على أكثر من ستة تحالفات في محافظات الأنبار، ديالى، صلاح الدين، والموصل، ما قد يؤدي إلى تفتيت الأصوات ثم التوحد لاحقًا عبر المفاوضات السياسية لتقاسم المناصب.

وفي المقابل، يعاني إقليم كردستان من انقسام حاد بين الحزبين الرئيسيين، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، مع بروز قوى جديدة مثل الجيل الجديد والجماعة الإسلامية، وتراجع ملحوظ في نسب الإقبال على التصويت.

صعود المستقلين والأحزاب الناشئة

توقّع الشمري أن تحصد الكتل المستقلة والأحزاب الناشئة ما بين 25 إلى 30 مقعدًا، وهي نسبة اعتبرها “مؤثرة نسبيًا” وقد تُغيّر بعض ملامح البرلمان الجديد مقارنة بالدورة السابقة.

وأكد أن عملية اختيار الرئاسات الثلاث (رئيس الجمهورية، رئيس الوزراء، رئيس البرلمان) ستظل خاضعة لـ “التوافقات السياسية والمصالح بين الكتل”، أكثر من الترتيبات الدستورية، مضيفًا أن “رئيس البرلمان أو الوزراء لا يمكن أن يتولى منصبه إلا باتفاق الكتل”.

التمثيل النسائي بين التمكين والرمزية

بلغ عدد المرشحات في هذه الدورة أكثر من ألفي امرأة، بفضل نظام الكوتا النسائية الذي يخصص 25 بالمئة من المقاعد (نحو 83 مقعدًا) للنساء.

ورغم أن هذا التخصيص اعتُبر تمييزًا إيجابيًا لتشجيع المشاركة النسائية، إلا أن سلمان انتقدت ضعف التأثير الحقيقي للنساء في العملية السياسية، قائلة:

“التمثيل النسائي أصبح شكليًا في أغلب الأحيان، إذ تفوز كثير من المرشحات عبر المال السياسي ودعم القوائم، دون دور فعلي في صنع القرار”.

تحديات أمام الديمقراطية العراقية

يرى مراقبون أن انتخابات 2025 ستختبر مدى نضج التجربة الديمقراطية العراقية، وقدرتها على إنتاج برلمان متجانس قادر على تشكيل حكومة مستقرة في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية التي تعصف بالبلاد.

ومع تشتت الأصوات وغياب البرامج، تبدو التحالفات البرلمانية المقبلة رهينة التفاهمات السياسية، ما يُرجّح استمرار النهج التوافقي الذي طبع الحياة السياسية العراقية منذ 2003.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى