شبكة تمويل وتجند وراء خطوط دارفور.. وثائق تكشف تداخلاً تجارياً–أمنيًا يمتد إلى الإمارات

كشفت وثائق وتحقيقات عن وجود شبكة معقّدة من شركات وواجهات تجارية وأفراد يُشتبه في ارتباطهم بعمليات تهريب الذهب وتجنيد مرتزقة لصالح فصائل عاملة بإقليم دارفور، في منظومة تمويلية وأمنية تتدفق عبرها الأموال والسلاح إلى ساحات القتال، وسط دعوات دولية لإجراء تحقيقات عاجلة تُحدّد المسؤوليات وتضع حدًا لمسارات التمويل هذه.
شراكات وتجهيزات خارجية
تشير الوثائق إلى أن مجموعة شركات أمنية وتجارية تعمل كواجهات لعمليات تسهيل نقل عناصر مسلحة ومواد لوجستية إلى دارفور، كما تتبنّى عقود توظيف مشدّدة تنصّ على سرية تامة، وحظر الإفصاح، وقيوداً قانونية على من يكشف عن طبيعة عمله أو الجهات المتعاملة معه، وهو ما يعكس طابعًا شبه عسكري في عقود التوظيف تتجاوز طبيعة الأمن التجاري التقليدي.
وفق التحقيق، تُستخدم قنوات رسمية وغير رسمية لتمويل هذه الشبكات، تشمل فتح شركات لشراء الذهب داخليًا وخارجياً، وإدارة حسابات مصرفية مرتبطة بأسماء أشخاص وداعمين محليين، قبل أن تُغلق بعض الواجهات بعد كشف أنشطتها، بينما تستمر عمليات التمويل بطرق أخرى.
تجنيد مرتزقة وفرق قتالية
تُظهر العقود المرفقة تفاصيل حول آليات تجنيد مقاتلين أجانب ونقلهم إلى دارفور، بما في ذلك شروط تلزم المقاتل بتسليم المعدات وإتلاف الأدلة الرقمية عند انتهاء الخدمة، وتُشير الوثائق إلى إشراف وكالات توظيف خاصة على نقل مجموعات مقاتلة سُمّيت داخليًا بأسماء فصائل، كما تذكر تحويلات مالية تُستخدم لتغطية رواتب ومشتريات أسلحة ومعدات ميدانية.
وتثير هذه المعطيات أسئلة حول ما إذا كانت الأنشطة التي تُنفَّذ بغطاء شركات خاصة تحظى بدرجة من التغاضي أو القبول من جهات رسمية في بعض دول الإقليم، خصوصًا مع وجود روابط تجارية وشخصية بين مؤسسي بعض هذه الشركات ومسؤولين ذوي نفوذ.
مسارات تهريب الذهب والدور التجاري
تشير الوثائق والتقارير الدولية التي اطلعت عليها أخبار الغد إلى أنّ تجارة الذهب المرتبطة بالنزاع تُشكّل شريانًا ماليًا رئيسيًا في تمويل العمليات الميدانية. وتؤكد التقديرات أن السودان أنتج نحو 80 طناً من الذهب بقيمة تقدّر بمليارات الدولارات في 2024، بينما يُهرَّب جزء كبير منه إلى أسواق إقليمية عبر طرق تمرّ بدول مجاورة ثم يُعرض للبيع في أسواق عالمية بعد إدماجه داخل سبائك تُخفي أصل المنشأ.
وتكشف المعطيات عن استخدام مسارات عبر دول مجاورة ومراكز تكرير لتصفية سبائك الذهب ودمجها مع شحنات أخرى، ما يصعّب مهمة تتبّع منشأها الأصلي ويجعلها قابلة للدخول إلى السلاسل التجارية الدولية دون آثار واضحة تؤكد منشأها.
دعوات دولية للتحقيق وفرض عقوبات
توصي الجهات الحقوقية والتحقيقية بفتح تحقيقات سريعة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والجهات المختصة الأخرى لتحديد القنوات المالية والشركات والأشخاص المتورطين، واتخاذ إجراءات قائمة على الأدلة قد تصل إلى فرض عقوبات على من تثبت صلته بتمويل مرتزقة أو تزويد أسلحة لفصائل متهمة بارتكاب انتهاكات.
كما تدعو تقارير مختصّة إلى تفعيل ضوابط العناية الواجبة في تجارة الذهب لدى مراكز تدوير السبائك والجمارك، والعمل المشترك مع سلطات الدول الواقعة على طرق التهريب لتعقب تدفقات المعدن ومصدره.
بُعد إنساني وأمن إقليمي
تُؤكّد الوثائق أن تمويل الحرب عبر موارد طبيعية مثل الذهب يفاقم الأزمة الإنسانية في دارفور ويُعمّق انقسام البلاد، في وقت تتزايد فيه تقارير عن عمليات نزوح، وتجويع متعمّد، وعمليات عنف طالت مدنًا زُجَّت في حالة خراب جراء الاستهدافات المسلحة.
وتشير المعطيات إلى أن استمرار هذه التدفقات المالية والتسليحية يهدّد جهود وقف التصعيد وإحلال الاستقرار، ما يستلزم إجراءات دولية جريئة ومتابعة فاعلة من مؤسسات الرقابة والعدالة الدولية لضمان مساءلة المجرمين وحماية المدنيين.
