
سأتحدث هذا الأسبوع في الركن الليبرالي عن أمر يؤمن به الليبراليون كثيرًا، وهو حماية حقوق الإنسان، وخصوصًا أن المجتمع الحقوقي المصري يحتفل الآن بقرار اللجنة الفرعية المعنية بالاعتماد التابعة للتحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان (SCA – GANHRI) بالإبقاء على تصنيف المجلس القومي لحقوق الإنسان في الفئة «A»، وهو أعلى تصنيف دولي يمكن منحه لمؤسسات حقوق الإنسان الوطنية.
ورغم أن هذا الإنجاز يعكس تقدير المجتمع الدولي للجهود الكبيرة والمستمرة التي يبذلها المجلس في الإبقاء على منظومة حية لحقوق الإنسان في مصر، وتطوير أداء مؤسساتها بما يتوافق مع المبادئ العالمية قدر المستطاع، ورغم التحديات الكبيرة – وخصوصًا الدولية – في ظل ما دار خلال العامين الماضيين في غزة وغيرها.
ورغم أن هذا القرار الدولي يؤكد الثقة في استقلالية المجلس وفعاليته إلى حد كبير، ويؤكد على أهمية جهوده في حماية الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إلا أن التحديات الحالية صعبة للغاية رغم الجهود المتواصلة في متابعة الشكاوى، وزيارة أماكن الاحتجاز، والتفاعل المثمر مع منظمات المجتمع المدني، فضلاً عن نشر ثقافة حقوق الإنسان على المستوى الوطني.
وبالرغم من أن اللجنة الأممية قد أثنت على الخطوات التي اتخذها المجلس في تحسين التشريعات المتعلقة بحقوق الإنسان والتنسيق المستمر مع الجهات المعنية في الدولة، إلا أنه ما زال هناك جهد كبير باقٍ لاستكمال مشاريع التعديل التشريعي أمام البرلمان، وهو ما يبرهن على نموذج التفاعل البنّاء بين الدولة والمؤسسة الوطنية المستقلة لحقوق الإنسان.
إن قضايا حقوق الإنسان في مصر تعاني من تحديات كبرى يختلف الجميع في تحديد أولوياتها، فالدولة ترى أن الاهتمام بالبنية الأساسية والإسكان والصحة والتعليم والطرق والاستثمار أولى بالرعاية من أي أمور أخرى، بينما المجتمع الحقوقي يرى أن تلك الأمور حدود دنيا لدور الدولة وواجبها، لا يجب أن تثنيها عن الدفع في مسارات دعم حرية الرأي والتعبير والحريات السياسية والشخصية ونزاهة الانتخابات وتحسين العديد من القوانين، والعفو عن باقي المحبوسين في قضايا الرأي، ونشر ثقافة المواطنة وحقوق الإنسان ومكافحة التمييز، وكذلك وضع حلول جذرية لقضايا ما زالت تعالجها الدولة بطرق عرفية.
إن مصر، وبعد تجاوز عشرية الإرهاب السوداء، باتت في مرحلة جديدة تجعل الظروف الداخلية مواتية لبذل جهود حثيثة في هذا المسار. هذه الجهود المنشودة يجب أن تستند إلى التعاون المستمر بين المجلس ومؤسسات الدولة من جهة، وبين المجلس ومنظمات المجتمع المدني من جهة أخرى، لأن النجاح في القيام بهذا الدور سيساهم بشكل كبير في الوصول للهدف الرئيسي، وهو تحسين حالة حقوق الإنسان في مصر، ورفع الوعي وتبني ثقافة احترام حقوق الإنسان في المجتمع بكل أفراده وطوائفه.
هذا الإنجاز أيضًا بمثابة حافز قوي لكل الأطراف السياسية والاجتماعية للعمل بجدية أكبر لتقوية منظومة حقوق الإنسان وضمان حياة كريمة للمواطن المصري من خلال دعم دور المجلس القومي لحقوق الإنسان.
أيضًا يجب أن أشيد بجهود القيادات الحالية لهذا المجلس، التي قد أتت بثمارها وخاضت معركة صعبة، وواجهت احتمالية خفض التصنيف بكل وطنية وجدية وصدق، وبرؤية مقنعة لمستقبل عملية تعزيز حقوق الإنسان وفق الدستور المصري والاتفاقيات الدولية.
لذلك لا يجب أن نغفل دور السفير محمود كارم رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، والنائب محمد أنور السادات أمين لجنة الحقوق المدنية والسياسية، والدكتور هاني إبراهيم الأمين العام للمجلس، وكل فرد في هذه الكتيبة التي عبرت اختبارًا صعبًا، ويبقى أمامها اختبارات أخرى ليست بالهينة.







