مقالات وآراء

معتصم الكيلاني يكتب: تجميد مؤقت لقانون قيصر

تحليل قانوني

اكتب لكم تحليلاً قانونياً تفصيلياً حول ما ورد من بيان مشترك بين United States Department of State (وزارة الخارجية الأميركية)، United States Department of Commerce (وزارة التجارة الأميركية) وOffice of Foreign Assets Control (OFAC – مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية) بشأن تعليق العمل بCaesar Syria Civilian Protection Act (قانون قيصر) وفتح إمكانية نقل السلع الأميركية المنشأ للاستخدام المدني والبرمجيات والتكنولوجيا إلى سوريا أو داخلها دون الحاجة إلى ترخيص، مع التأكيد على أن الولايات المتحدة تدعم سوريا مستقرة وموحدة وسلمية وتسعى لرفع العقوبات عنها لدعم جهود إعادة البناء.

الخلفية القانونية

  1. أُصدر قانون قيصر في الولايات المتحدة عام 2019 تحت عنوان Caesar Syria Civilian Protection Act.

يتيح فرض عقوبات مالية (حجب أصول، حظر تعاملات) على أفراد وكيانات أجنبية أو أمريكية تتعامل مع الحكومة السورية أو كيانات مرتبطة بها، خصوصاً في قطاعات البُنى التحتية والطاقة والبناء وغيرها.

كذلك يقوِّض الاستثمار في إعادة إعمار سوريا ما لم تُحقّق إصلاحات وسياسات تُعتبر “تقدّماً لا رجعة فيه” (irreversible progress) نحو حكامة أفضل وحماية حقوق الإنسان.

2. قبل التغييرات الأخيرة، كانت لدى الولايات المتحدة نظام عقوبات متكامل على سوريا: برامج حظر الصادرات، حظر التعاملات المالية، تصنيف السلطات السورية كدولة راعية للإرهاب، إلخ.

3. في 30 يونيو 2025، وقّع الرئيس الأميركي أمراً تنفيذياً (Executive Order) بعنوان “Providing for the Revocation of Syria Sanctions” والذي قضى بإنهاء برنامج العقوبات السورية الأمريكية الشامل، اعتباراً من 1 يوليو 2025، مع الإبقاء على استثناءات تستهدف بعض الجهات (مثل أفراد النظام السابق وداعمي الإرهاب).

4. كذلك، تمّ بموجب ذلك الأمر توجيه الوزارات المختصة (الخارجية، التجارة، الخزانة) لتقييم وتعليق أو تعديل فرض القيود على الصادرات الأميركية وسلعها للتعامل مع سوريا، بما في ذلك إمكانية إزالة ترخيص مسبق أو تخفيفه.

تأثيراته القانونية

(أ) تعليق العمل بقانون قيصر وإتاحة نقل سلع أميركية منشأ للاستخدام المدني والبرمجيات والتكنولوجيا

من الناحية القانونية، تعطيل أو تعليق آثار قانون قيصر أو جزء منها يُعدّ خطوة بارزة؛ فالقانون يعِدُ بعقوبات ثانوية (على غير الأميركيين) عند تعاملهم مع سوريا، وإلى جانب ذلك عقوبات أولية (على الأميركيين) عبر برامج مثل OFAC.

عندما يسمح البيان بنقل “معظم السلع الأميركية المنشأ للاستخدام المدني والبرمجيات والتكنولوجيا” إلى سوريا أو داخلها “دون الحاجة إلى ترخيص” (بصيغة البيان)، فهذا يشير إلى أن هناك تخفيفاً لقيود التصدير الأميركية (export controls) أو على الأقل إمكانية الاستثناء (general licence) من الترخيص.

قانونياً هذا يعني تغيير أو تعليق التطبيق الفعلي لبعض قواعد التصدير/العقوبات، وليس بالضرورة إلغاء النصوص التشريعية فوراً (إذ أن إلغاء قانون قيصر يتطلب غالباً تشريعاً من الكونغرس).

يجدر التمييز بين:

العقوبات الموجهة للأفراد/كيانات (SDNs – Specially Designated Nationals) والتي قد تظل قائمة حتى لو خُففت العقوبات العامة.

ضوابط التصدير (export controls) التي تدار غالباً عبر Bureau of Industry and Security (BIS) داخل وزارة التجارة الأميركية، وتتطلب تعديل أو تعليق لجزء منها حتى يُسمح بتصدير سلع مدنية أو برمجيات لتلك الدولة.

بهذا الصدد، البيان المشترك يُظهِر أن الولايات المتحدة تعتبر أن الاقتصاد السوري بحاجة إلى إعادة بناء، وأن أحد أدوات ذلك هو تخفيف العقوبات/الترخيص، لكن هذا لا يلغي بالضرورة جميع القيود.

من وجهة نظر قانونية، الشركات الأميركيّة أو غير الأميركية التي ترغب في التعامل مع سوريا يجب أن تتحقّق من:

هل الجهة السورية متضرّرة من قائمة العقوبات (SDN) أو من قائمة خاصّة؟

هل المنتج أو التكنولوجيا المعنيّة تُصنّف ضمن قائمة التصدير المحظورة أو المراقبة (EAR – Export Administration Regulations)؟

هل التعامل يشمل استعمالاً في أنشطة عسكرية أو مراقبة أو انتهاك حقوق الإنسان؟ ففي تلك الحالات، القيود قد تظل قائمة.

أخيراً، التخفيف أو الترخيص لا يعني تلقائياً أن المخاطر (من ناحية العقوبات أو التبعات القانونية والإجراءات الامتثالية) زالت بالكامل، بل قد توجد مخاطر انتقالية أو شروط استمرار تتّبعها الولايات المتحدة (مثلاً الالتزام بمنع الإرهاب، حماية الأقليات، إلخ).

(ب) دعم سوريا مستقرة وموحدة وسلمية ورفع العقوبات عنها لتحقيق إعادة البناء

البيان يعكس سياسة انتقالية: من “عقوبات” إلى “دعم وإعادة إعمار” ضمن شروط، وهذا يتماشى مع ما ورد في الأوامر التنفيذية الأميركية في عام 2025.

رفع العقوبات أو تخفيفها يتيح:

عودة سوريا إلى النظام المالي الدولي، وتسهيل الاستثمار الأجنبي، وتدفق رؤوس المال والسلع.

تخفيف العبء على الاقتصاد السوري (من حيث استيراد المواد المدنية، التكنولوجيا، البرمجيات، الخدمات) مما يمكن أن يُسرّع إعادة الإعمار.

لكن هناك جوانب قانونية مهمة:

سياسة العقوبات الأميركية لا تزال تضع شروطاً؛ فإذا سُرّبت المواد لأغراض عسكرية أو لجهات خاضعة لعقوبات، قد يُعاد تطبيق العقوبات أو تُفرض عقوبات جديدة.

رفع العقوبات لا يعني انتهاء كل القيود؛ إذ قد تبقى قيود على الأشخاص/الكيانات ومصادر التمويل، أو مصطلحات مثل “دعم الإرهاب” أو “تصدير أجهزة مراقبة واسعة النطاق” أو “تقنيات مزدوجة الاستخدام” (dual-use) التي تتطلب موافقة خاصة.

من منظور دولي، فإن التعاون مع سوريا يتطلّب أن يتمّ بما يتوافق مع التزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني، حقوق الإنسان، وعدم المساعدة في إعادة بناء القدرات العسكرية أو القمع الداخلي، وإلا فإن الدول المانحة أو المستثمرين قد يواجهون انتقادات أو تعرّضاً لخطر قانوني أو يواجهون إشعارات الامتثال.

كذلك، من الناحية الأميركية، حتى لو تمّ تعليق العقوبات العامة، قانون قيصر يبقى قائماً من حيث النصّ التشريعي، والإعلان عن “إلغاء” أو “تعليق” يحتاج غالباً مراقبة من قبل الكونغرس أو تجديدات تنفيذية؛ ما يعني وجود حالة “تخفيف مشروط” أكثر من “رفع كامل غير مشروط”.

النقاط التي تستحق الانتباه أو “المخاطر” القانونية

الشركات الأميركية أو الدولية التي تدخل في تعاملات مع سوريا يجب أن تراجع بدقة: ما هو المنتج أو التكنولوجيا؟ هل ينطبق عليه تنظيم التصدير (EAR) أو العقوبات؟ هل الجهة السورية طرفٌ في عقوبات قائمة؟

حتى بعد رفع كبير أو تخفيف العقوبات، قد يحدث “إعادة فرض” في حال تغيّرت الظروف (مثلاً إذا عادت سوريا لدعم جماعات إرهابية، أو لم تتحقق شروط السلام أو وحدتها).

من وجهة نظر سورية أو طرف ثالث، الدخول الآن في إعادة إعمار أو استثمار في سوريا قد يبدو فرصة، لكن يجب التأكد من أن التعامل لا يشارك في أنشطة تُعاد لاحقاً إلى القائمة السوداء.

من منظور دولي، هذا التحوّل في سياسة الولايات المتحدة قد يُفسّر كجزء من إعادة ترتيب الدور الأمريكي في الشرق الأوسط، لكن ليس بالضرورة أن يُغلق كل النزاعات القانونية المرتبطة بحقوق الإنسان أو المساءلة (مثلاً بعد سنوات الحرب، هناك قضايا حقوقية قد تكون ذات تأثير أو ملاحقة مستقبلية).

أخيراً، لا يُغني هذا التخفيف من العقوبات تلقائياً عن الحذر القانوني: يجب متابعة التوجيهات الدقيقة الصادرة عن OFAC، وزارة التجارة الأميركية، والوثائق التفصيلية مثل “Frequently Asked Questions” (FAQs) التي تنشرها OFAC بعد كل تغيير.

خلاصة القول :

بيان وزارة الخارجية والتجارة الأمريكية وOFAC يعكس تحولاً قانونياً وسياسياً نحو تخفيف أو رفع جزئي/كبير لعقوبات الولايات المتحدة على سوريا، بما في ذلك تعليق جزء من عمل قانون قيصر.

من الناحية القانونية، هذا لا يعني إلغاءاً فورياً لكل القيود، لكن يُشكّل فرصة لإعادة فتح مساحة للتعامل التجاري المدني (سلع، برمجيات، تكنولوجيا) مع سوريا تحت شروط.

المستثمرون أو الأطراف السورية ينبغي أن تأخذ الحيطة وتتأكد من أن تعاملها يتوافق مع التوجيهات الأميركية والتنظيمات الصادرة، وأنها لا تتضمَّن أي جهة أو نشاطاً ما زال خاضعاً للعقوبات.

من منظور حقوقي، هذا التحوّل يوفر إمكانية للمشاركة في إعادة إعمار سوريا، لكن يُرافقه التزام معايير واضحة في مجال مكافحة الإرهاب، حماية الأقليات، حقوق الإنسان، وهو ما أكّدته الولايات المتحدة في بيانها.

في النهاية، يمكن القول إن الخطوة تشكّل باباً قانونياً محدوداً ومشروطاً لإعادة دمج سوريا اقتصادياً في النظام الدولي، لكن ليس “رفعاً مطلقاً بلا شروط”

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى