مقالات وآراء

فهد المرزوقي يكتب: من الـ “نحن” إلى الـ “أنا”.. كيف تهدد الغربة الهوية الجماعية؟

بسم الله الرحمن الرحيم

الغربة والاغتراب: سوسيولوجيا المنفى بين الحنين والتماسك

تمثل تجربة المنفى القسري مختبراً إنسانياً حياً، تذوب فيه كل اليقينيات وتتصادم الأحلام بالواقع.

وفي مشهد المهجر، لا يعاني المنفي من مجرد اغتراب مكاني، بل من اغتراب وجودي يمس جوهر هويته وانتمائه.

الاغتراب المكاني: من “الوطن الحضن” إلى “المنفى المأوى”

تتحول الغربة من حالة مؤقتة إلى واقع دائم،فيتحول “المنفى” من مكان انتظار إلى مساحة عيش.

لكن هذا العيش يظل ناقصاً، كشجرة بلا جذور.

يصفها أحدهم: “بنحاول في هذه الدنيا لعل الله يحدث أمراً”، تعبير عن حالة الانتظار التي قد تمتد لسنوات دون أفق واضح.

الاغتراب الوظيفي: هدر الطاقة البشرية

أكثر ما يؤلم في تجربة المنفى هو تحول الكفاءات إلى أرقام في إحصاءات البطالة.

“٧٠٪ من القوة عاملة عاطلة عن العمل”، هذه ليست مجرد نسبة، بل هي قصة إحباط يومي لطاقات تبحث عن منفذ. الشهادات والخبرات تذوي في وظائف هامشية لا تليق بالإمكانات.

الاغتراب الأسري: أنصاف عائلات

تبقى الصورة الأكثر إيلاماًفي مشهد الغربة: أسر ممزقة، آباء بعيدون عن أبنائهم، أزواج يعيشون سنوات العمر منفصلين. هذه القصة تتكرر يومياً: الغربة هنا ليست مجرد مكان، بل هي انفصال عن الذات وعمن نحب.

الاغتراب التنظيمي: من “نحن” إلى “أنا”

أخطر أنواع الاغتراب هو ما يحدث للهوية الجماعية.

تتحول “الجماعة” من مشروع تحرري إلى أفراد يبحثون عن البقاء.

“هل نحن وحدة واحدة تواجه مصيراً واحداً أم أفراد في غربة؟” هذا السؤال يمثل الأزمة العميقة التي تهدد تماسك أي كيان في المنفى.

الاغتراب الوجودي: سؤال المعنى

في خضم المعاناة اليومية،يبرز السؤال المصيري: “ماذا نفعل هنا؟”.

الغربة تفرض إعادة تعريف الذات والهدف.

البقاء من أجل البقاء يفقد معناه، ويصبح البحث عن مشروع جامع هو السبيل الوحيد للحفاظ على المعنى.

التماسك رغم الاغتراب

رغم كل هذه الصور القاتمة،تبقى هناك بصيص أمل.

التماسك يظهر في:

  • · المحاضن الإيمانية التي توفر سنداً روحياً
  • · المحاولات الفردية للتأقلم والتعلم
  • · الحفاظ على الكرامة الإنسانية رغم الظروف
  • · البحث المستمر عن معنى وغاية
  • المنفى قد يكون قدراً، لكن الاغتراب ليس حتمياً.
  • الفرق بينهما أن الأول مكاني والثاني نفسي.

والتحدي الحقيقي هو تحويل الغربة من حالة سلبية إلى مساحة للإبداع والعطاء، والحفاظ على الإيمان بأن “ربنا يكتب الخير ويعافينا جميعاً”.

فالغربة قد تأخذ الجسد، لكنها لا يجب أن تأخذ الروح. والمنفى قد يكون محطة، لكنه لا يجب أن يصير هوية.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى