مقالات وآراء

د. عدنان منصور يكتب: مبدأ مونرو الأميركي… حصان طروادة الدائم!

في رسالته السنوية أمام الكونغرس الأميركي عام 1823، حدّد الرئيس جيمس مونرو بأربع نقاط السياسة الخارجية الأميركية التي ستسير عليها الولايات المتحدة مستقبلاً، والتي عُرفت بمبدأ مونرو:
1 ـ عدم تدخل الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية للدول الأوروبية، أو في أيّ حرب تنشب بينها.
2 ـ اعتراف الولايات المتحدة بالمستعمرات الأوروبية في الأميركيتين، ولن تتدخل فيهما مستقبلاً.
3 ـ لا يحقّ للقوى الغربية استعمار أيّ مناطق جديدة في نصف الكرة الأرضية الغربي في المستقبل.
4 ـ أيّ محاولة تقوم بها دولة أوروبية للسيطرة على أيّ دولة في نصف الكرة الأرضية الغربي سيُنظر إليها على أنها عمل عدائي ضدّ الولايات المتحدة.

لم يكن لمبدأ مونرو في بداية الأمر تأثيره الكبير خارج الولايات المتحدة، إذ لم تبرز في حينه الولايات المتحدة كقوة عظمى على الساحة العالمية، إلا أنه مع نهاية القرن 19، بدأت تثبت نفسها كدولة عظمى، وتطبّق مبدأ مونرو وتوسّعه خارج حدود القارة الأميركية، لا سيما عندما هدّدت الدول الأوروبية الدائنة لدول في أميركا اللاتينية لتحصيل ديونها منها. تصدّى الرئيس ثيودور روزفلت عام 1904، مؤكداً حق أميركا بالتدخل العسكري لمواجهة الدول الأوروبية الدائنة، وأيضاً على تمسك أميركا بمبدأ مونرو، وأنّ التزامها فد يضطرها أن تقوم بدور الشرطة الدولية.

مع مبدأ مونرو أصبحت أميركا اللاتينية الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، تفعل فيها ما تشاء، لجهة استخدام القوة، والنفوذ، والهيمنة على دولها، واستغلال ثرواتها على مدى عقود متواصلة.

بعد مرور عام واحد على مبدأ مونرو، تدخلت أميركا عسكرياً عام 1824 في بورتوريكو، وعام 1931 في الأرجنتين، وعام 1846 في المكسيك، كما قامت بحروب ممنهجة للتوسّع على حساب الدول اللاتينية، إذ استولت على نصف الأراضي المكسيكية التي تُعرف اليوم بـ تكساس، ونيفادا، وكولورادو، وأريزونا، وكاليفورنيا، والمكسيك الجديدة.

بذريعة حماية مصالح الأميركيين، قامت الولايات المتحدة عام 1852 بإنزال عسكري في الأرجنتين، عام 1853 في نيكاراغوا، عام 1855 في الأورغواي، عام 1867 في نيكاراغوا، عام 1891 في نيكاراغوا وتشيلي، عام 1893 في هاواي، وفي عام 1894 تدخلت واشنطن مرة أخرى عسكرياً في نيكاراغوا، وعام 1898 في كوبا.

مع بداية القرن العشرين، استمر تدخل أميركا السياسي والعسكري، والاقتصادي في شؤون القارة الأميركية. في عام 1904، وضعت بنما تحت سلطتها بعد أن سُلخت عن كولومبيا. في عام 1907 تدخلت عسكرياً في نيكاراغوا، وقامت باحتلالها عام 1912 ليدوم احتلالها حتى عام 1933.

في عام 1917 احتلت كوبا وفرضت الوصاية الأميركية عليها.

استمرت سلسلة التدخلات العسكرية الأميركية في شؤون القارة، التي أطاحت بأنظمة وطنية، لتأتي بأنظمة موالية لها. هذا الذي حصل في نيكاراغوا عام 1926 عندما أخمد المارينز الثورة فيها، وأتت واشنطن بعميلها الدكتاتور سوموزا الذي دام حكمه لأربعة عقود. خلال ثلاثينيات القرن الماضي زرعت الولايات المتحدة دكتاتوريات موالية لها في كل من كوبا، ونيكاراغوا، والدومينيك، والهندوراس، والسلفادور وغيرها.

بعد الحرب العالمية الثانية، توسّع مبدأ مونرو، لتمتدّ يد أميركا الطويلة باتجاه شرقي المحيطين، الأطلسي والهادئ، لتطيح بأنظمة، واستبدالها بأخرى، حيث كانت الولايات المتحدة وراء الانقلاب في سورية عام 1949 للمجيء بعميلها حسني الزعيم، والانقلاب على حكومة محمد مصدق في إيران عام 1953. وفي عام 1954 قامت الطائرات الأميركية بقصف العاصمة الغواتيمالية وأطاحت بالرئيس جاكوبو اربنز المنتخب ديمقراطياً، لكونه قام بإصلاحات اقتصادية جذرية رفضتها شركة الفواكه الأميركية التي كانت تستولي على مساحات شاسعة في غواتيمالا.

عام 1961 حاولت واشنطن إسقاط نظام الرئيس فيدل كاسترو في كوبا انطلاقاً من خليج الخنازير.

توالت تدخلات واشنطن العسكرية والاستخبارية مباشرة في البرازيل عام 1964، والبيرو عام 1965. وكانت وراء الإطاحة بكوامي نكروما في غانا عام 1966، وبسلفادور الليندي في تشيلي عام 1973، وذو الفقار علي بوتو في باكستان عام 1977، وترتيبها للانقلاب العسكري في الارجنتين عام 1979.

عام 1981، وضع رئيس الأكوادور الوطني الإصلاحي جيم رلدس، مشروع قانون يجبر شركات النفط الأميركية والأجنبية، تطبيق خطط لمساعدة الشعب الأكوادوري، وإلا الرحيل عن البلاد، لكن رلدس لقيَ حتفه بتحطم الطائرة التي كانت تقله في شهر أيار/ مايو 1981! بعد شهرين من مقتل رلدس، وفي تموز/ يوليو 1981، رئيس بنما عمر نوريغس الذي قام بإصلاحات اقتصادية شكلت خطراً على مصالح الولايات المتحدة في بنما، لقيَ حتفه أيضاً بتحطم طائرته نتيجة قنبلة زرعت فيها!

بين عامي 1981 و1989 شاركت أميركا في تمويل عناصر الكونترا في حربهم التي دامت ثماني سنوات ضدّ زعيم الحركة الساندينية دانيال أورتيغا بعد وصوله إلى السلطة، وقيامه بإصلاحات اقتصادية قلّصت من هيمنة الشركات الأميركيّة على البلاد، ما دفع بواشنطن عام 1989 إلى تكليف القوات الأميركية بشنّ هجوم جوي على العاصمة بنما، والإطاحة برئيسها نورييغا واعتقاله وسجنه.

حروب أميركا امتدّت إلى فيتنام، ويوغوسلافيا، وأفغانستان والصومال، والعراق، واللائحة تطول… مواجهات ومعارك، تدخلات عسكرية، وأجهزة استخبارات وانقلابات، تأجيج الصراعات الداخلية، وزعزعة استقرار الدول الرافضة للهيمنة الأميركية.

في وقتنا الحاضر نجد الولايات المتحدة تعولم مبدأ مونرو بشكل كبير، ليخوّلها توسيع مجالها الحيوي، وأمنها القومي، وتعزيز نفوذها الاقتصادي والتجاري والاستراتيجي على الساحة العالمية، تصول وتجول، تتفرّد بقرارها، تستخدم قوتها، تفرض عقوباتها، تلزم حلفاءها وأعداءها، ليصبح مبدأ مونرو مطاطاً، بتصرف الرؤساء الأميركيين، به تعطي الولايات المتحدة الحق لنفسها أن تفعل ما تريده على الساحة الدولية مستندة إلى قوتها العسكرية والاقتصادية، والمالية والتكنولوجية.

مبدأ مونرو جعل الولايات المتحدة أن تكون إلى حدّ كبير شرطي أميركا اللاتينية، والآمر والناهي فيها، لكن رؤساء أميركا وجنوحهم نحو التوسع والتسلط في ما بعد، دفعهم ليوسعوا مبدأ مونرو ويعمّموه على العالم كله، حتى تكون الولايات المتحدة شرطي العالم كله ـ وبالذات في دولنا العربية ـ وضابط إيقاعه دون منازع، تطبّقه وفق أهدافها ومصالحها الاستراتيجية.

مبدأ مونرو شمل نصف الكرة الأرضية الغربي، لكن الرؤساء الأميركيين بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، عمدوا إلى تطبيقه على نصف الكرة الأرضية الشرقي، كي تحقق الامبراطورية الأميركية أهدافها، ولتجعل من مبدأ مونرو سلوكاً ونهجاً عالمياً يتجاوز الأطلسي، ليشمل أوروبا، وأفريقيا والشرق الأوسط، وجنوب شرق آسيا، وجنوب بحر الصين. عملاً بهذا المبدأ الشمولي، تدخلت أميركا في كلّ صغيرة وكبيرة، ونصّبت نفسها حامية للشعوب، وفي حقيقة الأمر، لم تكن إلا ولّادة للاضطرابات والصراعات، وتحريك الفوضى، وإشعال الحروب، وزعزعة الاستقرار والأمن في العالم، لذلك تقف بكلّ قوة ضدّ قيام نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، لأنها تدرك جيداً أنّ عالماً كهذا سيُنحّي الولايات المتحدة عن الزعامة العالمية، ويبدّد طموحها لقيادة العالم، والتحكم بمصيره، ويحدّ بالتالي من نفوذها، وسطوتها، وهيمنتها على الساحة العالمية.


المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى