مقالات وآراء

د.تامر المغازي يكتب: كبير يا دنيا كبير.. خلاص بقينا كبار وعايزين نرجع تاني!

القاهرة في تسعينيات القرن الماضي، وقف طفل في العاشرة من عمره يردد بحماس: “وأنا صغير كان نفسي أبقى كبير
وأفهم ليه الكبار دايخين الدنيا دواخ”! .اليوم، يقف نفس الشخص وقد تجاوز الأربعين ليصرخ: “يا هشام عباس.. ياريتك سامعنا.. خلاص عايزين نرجع تاني صغيرين”!

ها هو “هشام عباس” – الفيلسوف غير المقصود – يعود ليضرب من جديد، ليس بأغنية جديدة، بل بنفس الكلمات التي غناها قبل ربع قرن، لتكتشف أجيال كاملة أنها وقعت في فخ الرغبة في الكبر دون أن تدرك أنها ستندم يوماً ما.

الندم على شكل أغنية “كنت بحلم بالحرية والفلوس وقيادة العربية”، يقول أحمد (38 سنة) وهو يدفع قسط مدرسة ابنته، “ماكنتش أدري إن ‘الكبار دايخين الدنيا دواخ’ لأنهم مش عارفين يدفعوا المصاريف”. أما منى (35 سنة) فتضيف: “كنت متخيلة الحياة الكبيرة رومانسية، مكنتش متخيلة إن ‘الكبر’ معناه مسؤوليات وضغوط و’تفكير في اليوم اللي فات واليوم اللي جاي'”.

تحقيق الأحلام.. لكن أي أحلام؟

لعل أغلب من غنوا مع هشام عباس وهم أطفال حققوا حلم “الكبر”، لكنهم اكتشفوا أن الواقع مختلف تماماً .الحرية التي حلمت بها، فحصلوا على حرية اختيار طريقة سداد الفواتير.النقود حلموا بها، فاكتشفوا أنها تذهب أسرع مما تأتي. الاحترام تمنوه، فحصلوا على احترام مشروط بدفع الفواتير في موعدها.

نداء عاجل إلى هشام عباس

بعد كل هذه المعاناة، يتوجه الجيل بأكمله برجاء عاجل إلى الفنان هشام عباس: “يا فنان.. ياريت تقدم لنا جزء ثان من الأغنية عنوانه ‘وأنا كبير كان نفسي أرجع صغير’!”ويقترح المعجبون أن تحتوي الأغنية الجديدة على كلمات مثل:

“ياما كنت أحلم أبقى كبير.. وأفهم ليه الكبار دايخين الدنيا دواخ”. “الكبر مش زي ما اتخيلنا.. مسؤولياته عقبال ما توصلنا”. “يا ريتني مقدرش قيمة الطفولة.. ولا كنت فرحت بكل لحظة بريئة”. ظاهرة تستحق الدراسة فعلم الاجتماع يقول “أن ما نشاهده الآن هو ظاهرة ‘ندم تحقيق الحلم’، حيث يدرك الناس أن تحقيق ما تمنى قد يكون أحياناً أصعب من عدم تحقيقه. وهشام عباس لم يكن مغنياً فقط، بل كان متنبأ يحذرنا من المستقبل!”

الدوخة مستمرة

هاهم “صغار الأمس” قد أصبحوا “كبار اليوم”، وهاهم يرددون نفس الكلمات ولكن بنبرة مختلفة: “وأنا صغير كان نفسي أبقى كبير.. لو كنت أعرف ماكنش حلمت بالكبر”! يبقى السؤال الأهم: هل سيكتب هشام عباس جزءاً ثانياً ينقذنا من دوخة الكبر؟ أم أن الأمل الوحيد هو أن يصبح أبناؤنا صغاراً ويحلموا بالكبر..

حتى ننتظر لنراهم يعانون كما نعاني الآن؟ إذا كنت من جيل “هشام عباس” وتقرأ هذا المقال بينما يجب أن تعمل، فاعلم أنك ضحية تحذير غنائي لم تنتبه إليه! . لكن لا تيأس، فربما عندما نكبر أكثر، نكتشف أن هذه الأيام كانت جميلة أيضاً!

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى