
لا يملك الموقف الجزائري في مجلس الأمن، بدعم القرار المتضمن خطة ترامب، مبررات مقنعة يمكن أن يستند اليها، مهما حاول الخطاب الرسمي تقديم تفسيرات لذلك، وعلى أي سلم يمكن قياسه عليه، يبقى هذا الموقف خروجا مقلقا عن خط والمرتكزات المؤسسة للمواقف والقرار الدبلوماسي الجزائري .
انحاز الموقف الجزائري الى عقلانية سياسية مبالغ فيها، وهي في هذه الحالة ليست خيارا محمودا، لأنه يضع الموقف في تناقض تام مع الاطار الأخلاقي والسياسي والقيمي الذي ظل يحكم الموقف الجزائري والذي تحدده القيم الموروثة عن الثورة، ذلك أن هذا القرار ينزع سلاح المقاومة بدلا من أن يفكك الاحتلال، و يستدعي نموذج انتداب تحت مسمى جديد، بدل من أن يفرض اختيارات الشعب الفلسطيني، ويصادر الحق المشروع في المقاومة بدلا من أن يلاحق قوة المحتلة، ويركز تواجد قوة دولية لم تحمي اللبنانيين من العدوان، فما بالك بالفلسطينيين .
نجح الكيان، بالنهاية -والقرار مساعد له في ذلك- في وضع المقاومة والشعب الفلسطيني في مواجهة مباشرة مع المنتظم الدولي، بدلا من مواجهة مع الاحتلال نفسه، وبهذا المعنى أصبح هذا القرار مستندا بيده، و المنتظم الدولي مركز حماية متقدمة للكيان، ذلك أن القرار بكل تفاصيله، يفتح كل المسارات أمام الاحتلال في اختيار الشركاء والتوقيت وهندسة الترتيبات في غزة، أما قصة الدولة الفلسطينية، فقد جزم كل الاحتلال بكافة مستوياته، بأنه لن تقوم لها قائمة.
لا يحتاج أي دبلوماسي أو فاعل سياسي جزائري أو غير جزائري، الى أدلة من أن كل الجوانب ذات الملامح الايجابية لصالح الشعب الفلسطيني، لن تجد سبيلا الى تطبيقها، لكون الكيان متحلل من كل التزام سياسي، ثم أن القرار لا ينظر الى الشعب الفلسطيني “كشعب محتل”، ولكن كشعب “مسكين”، ولا يعتبر أن الاحتلال هو السبب العميق لوضعه، ولكنه يعتبر أن المقاومة هي علته، وما لم يحققه الكيان بالقوة، وخسر رهانه التام بشأنه، يحققه له القرار الأمريكي، نزع سلاح المقاومة وتفكيك بنيتها التحتية، بل ان القرار يصف المقاومة بالارهاب،( يتحدث عن البنية التحتية للارهاب)، وهذا تفصيل كان لوحده كافيا ليدفع الجزائر الى موقف مختلف.
لقد دمرت الموافقة الجزائرية على القرار الأمريكي،- وكان متاح خيارات أفضل مما كان-، رمزيات الموقف التاريخي للجزائر ازاء القضية الفلسطينية، وأجهزت على رصيد من المواقف الايجابية بخاصة خلال العاميين الماضيين، لم يكن موفقا ممارسة السياسة في المربع الذي يستدعي فيه استحضار المبدأ، ان الثورة هي التي قالت أن السياسة هي التي تخضع للمبدأ وليس العكس، وحين يتعارض المبدأ مع السياسة يجب أن ينتصر الموقف لصالح المبدأ.







